صلة الأول ، والظاهر في توجيه قراءة الحسن على هذا أن جملة (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) عطف على محذوف من نحو أفعل وأنا فاعل ، ويجوز أن يقال وربما أشعر كلام الزمخشري بإيثاره أنه عطف على الجملة السابقة نظرا إلى الأصل لما مر من أن (قالَ) مقحم لنكتة فكأنه قيل الأمر كذلك وهو على ذلك يهون علي ، وأما نصب بقال الثاني وهي الكاف التي تستعمل مقحمة في الأمر العجيب الغريب لتثبيته وذلك إشارة إلى مبهم يفسر ما بعده أعني (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) وضمير (قالَ) للرب كما تقدم والخطاب لنبينا صلىاللهعليهوسلم أيضا أي قال رب زكريا له قال ربك مثل ذلك القول العجيب الغريب هو علي هين على أن (قالَ) الثاني مع ما في صلته مقول القول الأول وإقحام القول الثاني لما سلف ولا ينصب الكاف بقال الأول وإلا لكان (قالَ) ثانيا تأكيدا لفظيا لئلا يقع الفصل بين المفسر والمفسر بأجنبي وهو ممتنع إذ لا ينتظم أن يقال : قال رب زكريا قال ربك ويكون الخطاب لزكريا عليهالسلام والمخاطب غيره كيف وهذا النوع من الكلام يقع فيه التشبيه مقدما لا سيما في التنزيل الجليل من نحو (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) [البقرة : ١٤٣] كذلك الله يفعل ما يشاء إلى غير ذلك ، وهذا الوجه لا يتمشى في قراءة الحسن لأن المفسر لا يدخله الواو ولا يجوز حذفه حتى يجعل عطفا عليه لأن الحذف والتفسير متنافيان ، وجوز على احتمال النصب أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من وعد الله تعالى إياه عليهالسلام بقوله : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) إلخ أي قال ربه سبحانه له قال ربك مثل ذلك أي مثل ذلك القول العجيب الذي وعدته وعرفته وهو (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) إلخ ، وأداة التشبيه مقحمة كما مر فيكون المعنى وعد ذلك وحققه وفرغ منه فكن فارغ البال من تحصيله على أوثق بال ثم قال : هو علي هين أي قال ربك هو علي هين فيضمر القول ليتطابقا في البلاغة ، ولأن قوله مثل ذلك مفرد فلا يحسن أن تقرن الجملة به وينسحب عليه ذلك القول بعينه بل إنما يضمر مثله استئنافا إيفاء بحق التناسب. وإن شئت لم تنوه ليكون محكيا منتظما في سلك (قالَ رَبُّكَ) منسحبا عليه القول الأول أي قال رب زكريا له هو على هين لأن الله تعالى هو المخاطب لزكريا عليهالسلام فلا منع من جعله مقول القول الأول من غير إضمار لأن القولين ـ أعني قال ربك مثل ذلك هو علي هين ـ صادران معا محكيان على حالهما. ولو قدر أن المخاطب غيره تعالى أعني الملك تعين إضمار القول لامتناع أن يكون هو علي هين من مقوله فلا ينسحب عليه الأول. وأما على قراءة الحسن فإن جعل عطفا علي (قالَ رَبُّكَ) لم يحتج إلى إضمار لصحة الانسحاب وإن أريد تأكيده أيضا قدر القول لئلا تفوت البلاغة ويكون التناسب حاصلا ، وجعله عطفا ما بعده (قالَ) الثاني من دون التقدير يفوت به رعاية التناسب لفظا فإن ما بعده مفرد والملاءمة معنى لما عرفت أن لأقول على الحقيقة ، والمعنى قال ربه قد حقق الموعود وفرغ عنه فلا بد من تقديره على (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ليفيد تحقيقه أيضا ، ولو قدر أن المخاطب غيره تعالى تعين الإضمار لعدم الانسحاب دونه فافهم ، وهذا ما حققه صاحب الكشف وقرر به عبارة الكشاف بأدنى اختصار ، ثم ذكر أن خلاصة ما وجده من قول الأفاضل أن التقدير على احتمال أن تكون الإشارة إلى ما تقدم من الوعد قال رب زكريا له قال ربك قولا مثل قوله سبحانه وتعالى السابق عدة في الغرابة والعجب فاتجه له عليهالسلام أن يسأل ما ذا قلت يا رب وهو مثله فيقول : هو علي هين أي قلت أو قال ربك. والأصل على هذا التقدير قلت قولا مثل الوعد في الغرابة فعدل إلى الالتفات أو التجريد أيا شئت تسميه لفائدته المعلومة ، وليس في الإتيان بأصل القول خروج عن مقتضى الظاهر إذ لا بد منه لينتظم الكلام وذلك لأن المعنى على هذا التقدير ولا تعجب من ذلك القول وانظر إلى مثله واعجب فقد قلناه. وكذلك يتجه لنبينا صلىاللهعليهوسلم السؤال فيجاب بأنه قال له ربه هو علي هين وصحة وقوعه جوابا عن سؤال نبينا عليه الصلاة والسّلام وهو الأظهر على هذا الوجه لأن الكلام معه ، وإذ قد صح أن يجعل جوابا له جاز إضمار القول لأنه جواب له صلىاللهعليهوسلم بما يدل على أنه خوطب به زكريا عليهالسلام أيضا وجاز أن لا يضمر لأن المخاطب لهما واحد والخطاب مع نبينا صلىاللهعليهوسلم وعلم من ضرورة المماثلة أنه قيل لزكريا أيضا هذه المقالة ولو كان الحاكي والقائل الأول