عنه عزوجل على نهج قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الزمر : ٥٣] الآية وهذا جواب لندائه عليهالسلام ووعد بإجابة دعائه كما يفهمه التعبير بالبشارة دون الإعطاء أو نحوه وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الآية لأنه تعقيب عرفي كما في تزوج فولد له ولأن المراد بالاستجابة الوعد أيضا لأن وعد الكريم نقد ، والمشهور أن هذا القول كان إثر الدعاء ولم يكن بين البشارة والولادة إلا أشهر ، وقيل : إنه رزق الولد بعد أربعين سنة من دعائه ، وقيل : بعد ستين. والغلام الولد الذكر ، وقد يقال للأنثى : غلامة كما قال :
تهان لها الغلامة والغلام
وفي تعيين اسمه عليهالسلام تأكيد للوعد وتشريف له عليهالسلام ، وفي تخصيصه به حسبما يعرف عنه قوله تعالى : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) أي شريكا له في الاسم حيث لم يسم أحد قبله بيحيى على ما روي عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن أسلم مزيد تشريف وتفخيم له عليهالسلام ، وهذا كما قال الزمخشري شاهد على أن الأسماء النادرة التي لا يكاد الناس يستعملونها جديرة بالأثرة وإياها كانت العرب تنحى في التسمية لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النبز حتى قال القائل في مدح قوم :
شنع الأسامي مسبلي أزر |
|
حمر تمس الأرض بالهدب |
وقيل للصلت بن عطاء : كيف تقدمت عند البرامكة وعندهم من هو آدب منك؟ فقال : كنت غريب الدار غريب الاسم خفيف الجرم شحيحا بالأشلاء فذكر مما قدمه كونه غريب الاسم ؛ وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد أن (سَمِيًّا) بمعنى شبيها وروي عن عطاء وابن جبير مثله أي لم نجعل له شبيها حيث أنه لم يعص ولم يهم بمعصية ، فقد أخرج أحمد والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكريا عليهماالسلام لم يهم بخطيئة ولم يعملها» والأخبار في ذلك متظافرة ، وقيل : لم يكن له شبيه لذلك ولأنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر.
وقيل لأنه كان كما وصف الله تعالى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين فيكون هذا إجمالا لذلك وإنما قيل للشبيه سمي لأن المتشابهين يتشاركان في الاسم ، ومن هذا الإطلاق قوله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم : ٦٥] لأنه الذي يقتضيه التفريع ، والأظهر أنه اسم أعجمي لأنه لم تكن عادتهم التسمية بالألفاظ العربية فيكون منعه الصرف على القول المشهور في مثله للعلمية والعجمة ، وقيل أنه عربي ولتلك العادة مدخل في غرابته وعلى هذا فهو منقول من الفعل كيعمر ويعيش وقد سموا بيموت وهو يموت بن المزرع بن أخت الجاحظ ووجه تسميته بذلك على القول بعربيته قيل الإشارة بأنه يعمر ، وهذا في معنى التفاؤل بطول حياته ، وكان في ذلك إشارة إلى أنه عليهالسلام يرث حسبما سأل زكريا عليهالسلام ، وقيل : سمي بذلك لأنه حي به رحم أمه ، وقيل لأنه حي بين شيخ فان وعجوز عاقر ، وقيل لأنه يحيا بالحكمة والعفة ، وقيل لأنه يحيا بإرشاد الخلق وهدايتهم ، وقيل لأنه يستشهد والشهداء أحياء ، وقيل غير ذلك ، ثم لا يخفى أنه على العربية والعجمة يختلف الوزن والتصغير كما بين في محله.
(قالَ) استئناف مبني على السؤال كأنه قيل فما ذا قال عليهالسلام حينئذ؟ فقيل قال (رَبِ) ناداه تعالى بالذات مع وصول خطابه تعالى إليه بواسطة الملك للمبالغة في التضرع والمناجاة والجد في التبتل إليه عزوجل ، وقيل لذلك والاحتراز عما عسى يوهم خطابه للملك من توهم أن علمه تعالى بما يصدر عنه متوقف على توسطه كما أن علم البشر بما يصدر عنه تعالى متوقف على ذلك في عامة الأوقات ، ولا يخفى أن الاقتصار على الأول أولى (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) كلمة (أَنَّى) بمعنى كيف أو من أين ، وكان إما تامة وأنى واللام متعلقان بها ، وتقديم الجار على الفاعل لما