أكبر من أختها من وجه ثم قال : وقد يكون الشيئان كل واحد منهما أفضل من الآخر من وجه ، وقد أشبع الكلام في هذا المقام مولانا جلال الدين الدواني فيما كتبه على الشرح الجديد للتجريد وحققه بما لا مزيد عليه ، ومما يدل على أن لموسى عليهالسلام علما ليس عند الخضر عليهالسلام ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس مرفوعا أن الخضر عليهالسلام قال : يا موسى إني على علم من علم الله تعالى علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله تعالى علمك الله سبحانه لا أعلمه ، وأنت تعلم أنه لو لم يكن قوله تعالى لموسى عليهالسلام المذكور في الأحاديث السابقة إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك على معنى أعلم في بعض العلوم بل كان على معنى أعلم في كل العلوم أشكل الجمع بينه وبين ما ذكرنا من كلام الخضر عليهالسلام ، ثم على ما ذكرنا ينبغي أن يراد من العلم الذي ذكر الخضر أنه يعلمه هو ولا يعلمه موسى عليهماالسلام بعض علم الحقيقة ومن العلم الذي ذكر أنه يعلمه موسى ولا يعلمه هو عليهماالسلام بعض علم الشريعة ، فلكل من موسى والخضر عليهماالسلام علم بالشريعة والحقيقة إلا أن موسى عليهالسلام أزيد بعلم الشريعة والخضر عليهالسلام أزيد بعلم الحقيقة ، ولكن نظرا للحالة الحاضرة كما ستعلم وجهه إن شاء الله تعالى وعدم علم كل ببعض ما عند صاحبه لا يضر بمقامه. وينبغي أن يحمل قول من قال كالجلال السيوطي ما جمعت الحقيقة والشريعة إلا لنبينا صلىاللهعليهوسلم ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما على معنى أنها ما جمعت على الوجه الأكمل إلا له صلىاللهعليهوسلم ولم يكن للأنبياء عليهمالسلام على ذلك الوجه إلا أحدهما ، والحمل على أنهما لم يجمعا على وجه الأمر بالتبليغ إلا لنبينا صلىاللهعليهوسلم فإنه عليه الصلاة والسّلام مأمور بتبليغ الحقيقة كما هو مأمور بتبليغ الشريعة لكن للمستعدين لذلك لا يخلو عن شيء ويفهم من كلام بعض الأكابر أن علم الحقيقة من علوم الولاية وحينئذ لا بد أن يكون لكل نبي حظ منه ولا يلزم التساوي في علومها.
ففي الجواهر والدرر قلت للخواص عليه الرحمة : هل يتفاضل الرسل في العلم؟ فقال : العلم تابع للرسالة فإنه ليس عند كل رسول من العلم إلا بقدر ما تحتاج إليه أمته فقط فقلت له : هذا من حيث كونهم رسلا فهل حالهم من حيث كونهم أولياء كذلك؟ فقال : لا قد يكون لأحدهم من علوم الولاية ما هو أكثر من علوم ولاية أولي العزم من الرسل الذين هم أعلى منهم انتهى ، وأنا أرى أن ما يحصل لهم من علم الحقيقة بناء على القول بأنه من علوم الولاية أكثر مما يحصل للأولياء الذين ليسوا بأنبياء ، ولا تراني أفضل وليا ليس بنبي في علم الحقيقة على ولي هو نبي ؛ ولا أقول بولاية الخضر عليهالسلام دون نبوته ، وقائلو ذلك يلزمهم ظاهرا القول بأن ما عنده من علم الحقيقة مع كونه وليا أكثر مما عند موسى عليهالسلام منه إن أثبتوا له عليهالسلام شيئا من ذلك مع كونه نبيا ولكنهم لا يرون في ذلك حطا لقدر موسى عليه السالم ، وظاهر كلام بعضهم أنه عليهالسلام لم يؤت شيئا من علم الحقيقة أصلا ومع هذا لا ينحط قدره عن قدر الخضر عليهماالسلام إذ له جهات فضل أخر ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ما يقوله الذاهبون إلى ولايته عليهالسلام.
ثم ما أراه أنا ولله تعالى الحمد أبعد عن القول بما نقل عن بعض الصوفية من أن الولاية مطلقا أفضل من نبوة وإن كان الولي لا يبلغ درجة النبي ، وهو مردود عند المحققين بلا تردد ، نعم قد يقع تردد في نبوة النبي وولايته أيهما أفضل؟ فمن قائل بأن نبوته أفضل من ولايته ، ومن قائل بأن ولايته أفضل.
واختار هذا بعض العرفاء معللا له بأن نبوة التشريع متعلقة بمصلحة الوقت والولاية لا تعلق لها بوقت دون وقت وهي في النبي على غاية الكمال. والمختار عندي الأول. وقد ضل الكرامية في هذا المقام فزعموا أن الولي قد يبلغ درجة النبي بل أعلى. ورده ظاهر. والاستدلال له بما في هذه القصة بناء على القول بولاية الخضر عليهالسلام ليس بشيء كما لا يخفى.