على المنع من دعاء الرجل على نفسه أو على ماله أو على أهله وقد جاء النهي عن ذلك صريحا في بعض الأخبار. فقد أخرج أبو داود والبزار عن جابر قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم على أموالكم لئلا توافقوا من الله تعالى ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم وبه يرد على ما قيل من أن الدعاء بذلك لا يستجاب فضلا من الله تعالى وكرما. واستشكل بأن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا على أهله كما سمعت في حديث الواقدي ، وأجيب عن ذلك بأنه كان للزجر وإن كان وقت الغضب وقد اشترط صلىاللهعليهوسلم على ربه سبحانه في مثل ذلك أن يكون رحمة فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قال : «إني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة» وذكر النووي في جواب ما يقال : إن ظاهر الحديث أن الدعاء ونحوه كان بسبب الغضب ما قال المازري من أنه يحتمل أنه صلىاللهعليهوسلم أراد أن دعاءه وسبه ونحوهما كان مما يخير فيه بين أمرين أحدهما هذا الذي فعله والثاني زجره بأمر آخر فحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين المخير فيهما وليس ذلك خارجا عن حكم الشرع ، والمراد من قوله عليه الصلاة والسلام ليس لها بأهل ليس لها بأهل عند الله تعالى وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب لذلك ، وقد يستدل على ذلك بأمارات شرعية وهو مأمور صلىاللهعليهوسلم بالحكم بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر ، وقيل : إن ما وقع منه عليه الصلاة والسلام من الدعاء ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كتربت يمينك وعقرى حلقى لكن خاف صلىاللهعليهوسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك زكاة وقربة ، نعم في ذكر حديث الواقدي ونحوه كالحديث الذي ذكره البيضاوي في المقام الذي ذكر فيه لا يخلو عن شيء فتأمل ، ثم إن القياس إثبات الواو في (يَدْعُ) الإنسان إذ لا جازم تحذف له لكن نقل القرآن العظيم كما سمع ولم يتصرف فيه الناقل بمقدار فهمه وقوة عقله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) هذا على ما قيل شروع في بيان بعض ما ذكر من الهداية بالإرشاد إلى مسلك الاستدلال بالآيات والدلائل الآفاقية التي كل واحدة منها برهان نير لا ريب فيه ومنهاج بين لا يضل من ينتحيه فإن الجعل المذكور وما عطف عليه وإن كانا من الهدايات التكوينية لكن الأخبار بذلك من الهدايات القرآنية المنبهة على تلك الهدايات.
وذكر الإمام في وجه الربط وجوها ، الأول أنه تعالى لما بين في الآية المتقدمة ما أوصل إلى الخلق من نعم الدين وهو القرآن أتبعه ببيان ما أوصل إليهم من نعم الدنيا فقال سبحانه : (وَجَعَلْنَا) إلخ ، وكما أن القرآن ممتزج من المحكم والمتشابه كذلك الزمان مشتمل على الليل والنهار وكما أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه فكذلك الزمان لا يكمل الانتفاع به إلا بالنهار والليل ، الثاني أنه تعالى وصف الإنسان بكونه عجولا أي منتقلا من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة بين (١) أن كل أحوال العالم كذلك وهو الانتقال من النور إلى الظلمة وبالضد وانتقال نور القمر من الزيادة إلى النقصان وبالضد ، الثالث نحو ما نقلناه أولا ولعله الأولى ، وتقديم الليل لمراعاة الترتيب الوجودي إذ منه ينسلخ النهار وفيه تظهر غرر الشهور العربية ولترتيب غاية النهار عليها بلا واسطة ، ومما يزيد تقديم الليل حسنا افتتاح السورة بقوله سبحانه (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) والجعل على ما نقل عن السمين بمعنى التصيير متعد لاثنين أو بمعنى الخلق متعد لواحد و (آيَتَيْنِ) حال مقدرة.
واستشكل الأول الكرماني بأنه يستدعي أن يكون الليل والنهار موجودين على حالة ثم انتقلا منها إلى أخرى
__________________
(١) قوله «إلى حالة بين» إلخ كذا بخطه ولعله إما وصف إلخ بين بقرينة ما سبق في الوجه قبله.