إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

روح المعاني [ ج ٨ ]

129/598
*

ذهب إليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجديد من أنه ينقضي بمضي قدر زمن وضوء وغسل وتيمم ، وطلب خفيف وإزالة خبث مغلظ يعم البدن والثوب والمحل وستر عورة واجتهاد في القبلة وأذان وإقامة وألحق بهما سائر سنن الصلاة المتقدمة كتعمم وتقمص ومشي لمحل الجماعة وأكل جائع حتى يشبع وسبع ركعات ولعل الزمان الذي يسع كل هذا يزيد على زمن ما بين غروب الشمس وغروب الشفق أي شفق كان في أكثر الإعراض ، ثم لا يخفى أنه إذا كان المراد من غسق الليل وقت العشاء وفسر الغسق باجتماع الظلمة وشدتها كان ذلك مؤيدا لما في ظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من أن أول وقت العشاء حين يغيب الشفق بمعنى البياض الذي يعقب الخمرة في الأفق الغربي لأن الظلمة لا تجتمع ولا تشتد ما لم يغب ، ولا يأبى ذلك أن الأحاديث الصحيحة صريحة في أن أول وقتها حين يغيب الشفق وهو اللغة الحمرة المعلومة لأن تفسيره بالبياض قد جاء أيضا ، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر ومعاذ بن جبل وعائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ورواه عبد الرازق عن أبي هريرة وعن عمر بن عبد العزيز ، وبه قال الأوزاعي والمزني وابن المنذر والخطابي ، واختاره المبرد وثعلب ، وما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أول وقت العشاء حين يغيب الأفق» ظاهر في كون الشفق البياض إذ لا غيبوبة للأفق إلا بسقوطه ؛ نعم ذهب صاحباه إلى أنه الحمرة وهو (١) قول ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم ، ورواه أسد بن عمرو عن الإمام أيضا لكنه خلاف ظاهر الرواية عنه ، والصحيح المفتي به عندنا ما جاء في ظاهر الرواية ، وقد نص على ذلك المحقق ابن الهمام والعلامة قاسم وابن نجيم وغيرهما ، وما قاله الإمام أبو المفاخر من أن الإمام رجع إلى قولهما وقال إنه الحمرة لما ثبت عنده من حمل عامة الصحابة إياه على ذلك وعليه الفتوى وتبعه المحبوبي وصدر الشريعة ليس بشيء لأن الرجوع لم يثبت ودون إثباته مع نقل الكافة عن الكافة خلافه خرط القتاد ، وكذا دعوى حمل عامة الصحابة خلاف المنقول كما سمعت حتى أن البيهقي لم يرو أن الشفق الحمرة إلا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

وما رواه الدار قطني عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الشفق الحمرة فإذا غاب وجبت الصلاة» قال البيهقي والنووي فيه الصحيح أنه موقوف على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ومثل هذا الاختلاف الاختلاف في أول وقت العصر فقال الإمام : هو إذا صار ظل كل شيء مثليه بعد ظل الزوال وقالا : إذا صار ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال ، وفتوى المحققين على قوله رحمة الله تعالى عليه بل قال ابن نجيم : إن الإفتاء بغيره لا يجوز وقد أطال الكلام في ذلك في رسالته رفع الغشاء عن وقتي العصر والعشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) عطف على مفعول «أقم» أو نصب على الإغراء كما قال الزجاج وأبو البقاء والجمهور على الأول ، والمراد بقرآن الفجر صلاته كما روي عن ابن عباس ومجاهد ، وسميت قرآنا أي قراءة لأنها ركنها كما سميت ركوعا وسجودا وهذه حجة على ابن علية. والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن في الصلاة قاله في الكشاف ورد بأن ذلك لا يدل على الركنية لجواز كون مدار التجوز كون القراءة مندوبة فيها وفي الكشف أنه مدفوع بأن العلاقة المعتبرة في إطلاق غير الصلاة وإرادة الصلاة هي علاقة الكل والجزء بدليل النظائر وهاهنا إذ ورد تجوزا فحمله على معلوم النظير من الاستقراء واجب على أن الندبية لا تصلح علاقة معتبرة إلا بالتكلف ، وجعل ، سبح بمعنى صلى لأن التسبيح بمعنى التنزيه البالغ والمصلى مسبح قولا بقراءة الفاتحة بل بالتكبير الواجب بالاتفاق وفعلا أيضا بالركوع والسجود مثلا الدالين على كمال التعظيم والتبجيل فهو الركن كله لا لأن التسبيح بمعنى

__________________

(١) أي في رواية اه منه.