يا هشام! من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أُوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حبّاً إلاّ ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً.
يا هشام! إنّ العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله(١).
يا هشام! لو رأيت مسير الاَجل لاَلهاك(٢) عن الاَمل.
يا هشام! إيّاك والطمع ، وعليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين ، فإنّ الطمع مفتاح للذلّ(٣) ، واختلاس العقل(٤) واختلاق(٥) المروّات ، وتنديس العرض (٦) ، والذهاب بالعلم ؛ وعليك بالاعتصام بربّك والتوكّل عليه ، وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك.
قال هشام : فقلت له : فأيّ الاَعداء أوجبهم مجاهدةً؟
قال عليه السلام : أقربهم إليك ، وأعداهم لك ، وأضرّهم بك ، وأعظمهم لك عـداوةً ، وأخفاهـم لك شخصاً مـع دنـوّه منك ، ومن يحرّض(٧) أعداءك
____________
= «بمن يترضّاه» أي بمن يطلب رضاه.
(١) «العاقل اللبيب» اللبّ : العقل الخالص من الشوائب ، أو ما ذكا من العقل ، فكلّ لبّ عقل ولا يعكس ، واللبيب من كان ذا لبّ ، فكلّ لبيب عاقل ولا يعكس.
(٢) «لاَلهاك» أي أغفلك.
(٣) في بعض النسخ : الذلّ.
(٤) «واختلاس العقل» الاختلاس : الاستلاب.
(٥) في بعض النسخ : وإخلاق.
والاختلاق : الافتراء. وأخلاق : الظاهر أنّه جمع خلق ـ بالتحريك ـ : أي البالي.
(٦) «وتدنيس العرض» الدنس : الوسخ ، والعرض : النفس والخليقة المحمودة ، وأيضاً : ما يفتخر [به] الاِنسان من حسب وشرف.
(٧) في بعض النسخ : ومن يحرض ، وفي بعضها : ويحرص من.
«ومن يحرّض» أي ومن يحثّ ويرغّب ، كما قال تعالى : (حرِّض المؤمنين