قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أنّ عقله لا يتّسع لضبط ما أُلقي إليه؟
قال عليه السلام : فتلطّف له في النصيحة ، فإن ضاق قلبه فلا تعرّضن نفسك للفتنة ، واحذر ردّ المتكبّرين ، فإنّ العلم يدلّ على أن يملى على(١) من لا يفيق(٢).
قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها؟
قال عليه السلام : فاغتنم جهله عن السؤال حتّى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الردّ ، واعلم أنّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرج(٣) المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنّك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه ، فكيف بمن يؤذى فيه؟! وما ظنّك بالتوّاب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه ، فكيف بمن يترضّاه ويختار عداوة الخلق فيه؟!(٤).
____________
= «وإذا تفرّد له بالنعم أن يشارك في عمله أحداً غيره» أي إذا اختصّ العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النعمة بأن يعطيه منها.
«وإيّاك أن تغلب الحكمة» لعلّ فيه حذفاً وإيصالاً ، أي تغلب على الحكمة ، أي يـأخذهـا منـك قهـراً مـن لا يستحقّهـا ، أو تغلب علـى الحكمـة فإنّهـا تأبـى عمّـن لا يستحقّها ، ويحتمل أن يكون بالفاء والتاء من الاِفلات بمعنى الاطلاق ، فإنّهم يقولون : انفلت منّي كلام أي صدر بغير رويّة.
(١) في بعض النسخ وبحار الاَنوار : فإنّ العلم يذلّ على أن يحمل (يجلى) على.
(٢) «فتلطّف له في النصيحة» أي تذكر له شيئاً من تلك الحكمة بلطف على وجه الامتحان.
«من لا يفيق» الاِفاقة : الرجوع عن السكر والاِغماء والغفلة إلى حال الاستقامة.
(٣) في بعض النسخ : لم يفرح.
(٤) «يؤذيه بأوليائه» أي بسبب إيذائهم.