يا هشام! ليس منّا من لم يحاسب نفسه كلّ يومٍ ، فإن عمل حسناً استزاد منه ، وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه وتاب إليه.
يا هشام! تمثّلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأةٍ زرقاء فقال لها : كم تزوّجت؟
فقالت : كثيراً.
قال : فكلّ طلّقك؟
قالت : لا ، بل كلاًّ قتلت.
قـال المسيـح عليه السلام : فـويـح لاَزواجـك البـاقيـن ، كيـف لا يعتبـرون بالمـاضيـن؟!(١).
يا هشام! إنّ ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كلّه ، وإنّ ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالِماً بربّه وإذا كان عالِمـاً بربّـه أبصر دينـه ، وإن كان جاهلاً بربّه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلاّ بالنفس الحية ، فكذلك لا يقوم الدين إلاّ بالنيّة الصادقة ، ولا تثبت النيّة الصادقة إلاّ بالعقل.
يا هشام! إنّ الزرع ينبت فى السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار ، لاَنّ
____________
= ومثله الحديث الآخر : «تأزّر بالعظمة ، وتردّى بالكبرياء ، وتسربل بالعزم».
(١) «امرأة زرقاء» الزرقة فى العين معروفة ، وقد تطلق على العمى؛ ويقال : زرقت عينه نحوي : انقلبت وظهر بياضها ، فعلى الاَوّل : لعلّ المراد بيان شؤمتها فإنّ العرب تتشأّم بزرقة العين أو قبح منظرها ، وعلى الثاني ظاهر ، وعلى الثالث كناية عن شدّة الغضب.
«فويـح لاَزواجـك البـاقيـن» ويـح : كلمـة تـرحّـم تقـال لمـن وقـع فـي هلكـة لا يستحقّها ، وقد تقال بمعنى المدح والتعجّب.