الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبّر من آلة الجهل ، ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ، ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه؟! وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ، ومن تواضع لله رفعه(١).
يا هشام! ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النُسك ، وأقبح من ذلك العابد لله ثمّ يترك عبادته(٢).
يا هشام! لا خير في العيش إلاّ لرجلين : لمستمعٍ واعٍ ، وعالم ناطق(٣).
يا هشام! ما قُسّم بين العباد أفضل من العقل(٤) ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وما بعث الله نبيّاً إلاّ عاقلاً حتّى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين(٥) ، وما أدّى العبد فريضةً من فرائض الله حتّى عقل
____________
(١) «من شمخ» أي طال وعلا.
«شجّه» أي كسره أو جرحه.
«ومن خفض» الخفض : ضدّ الرفع.
(٢) «ما أقبح الفقر بعد الغنى» المراد بالفقر إمّا الفقر المعنوي ، أي ما أقبح للرجل أن تكون له فضائل نفسيّة وخلق كريمة ، أو عقائد حقّة وملّة مَرْضِيّة ، ثمّ يتركها ويستخلف منها الخصال المذمومة والاَخلاق الرذيلة أو العقائد الباطلة فيكون مآل أمره إلى الخسران ومرجعه إلى الفناء.
أو المراد المادّي أي ما أقبح للرجل أن يكون ذا ثروة ومال ، ثمّ يترفها ويسرفها ويصرفها في ما لا يصلح به دنياه ، ولا يثاب في عقباه ، فيصير فقيراً ويصبح إلى أقرانه محتاجاً.
«وأقبح الخطيئة بعد النسك» النسك : الحجّ أو مطلق العبادة.
(٣) «لا خير في العيش» العيش : الحياة.
«لمستمعٍ واعٍ» يقال : وعاه أي حفظه.
(٤) أخرج هذه القطعة في عوالم العلوم ٢/٢٩ ح ٤ عن التحف.
(٥) «جهد المجتهدين» الاجتهاد : بذل الجهد في الطاعات.
أخرج قوله : «وما بعث الله نبيّاً ... جهد المجتهدين» في عوالم العلوم ٢/٢٨ ح ٢ عن التحف والكافي.