به ، وليست المكافأة أن تصنع كما صُنع حتّى ترى فضلك ، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء(١).
يا هشام! إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن ، وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها الرجال ذوو العقول ، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
يا هشام! اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله ، فإنّما الدنيا ساعة ، فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت(٢).
يا هشام! مثل الدنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله.
يا هشام! إيّاك والكبر ، فإنّه لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّـةٍ من كِبـر ، الكبر رداء الله ، فمن نازعـه رداءه أكبّـه الله في النار علـى وجهـه(٣)
____________
(١) «وليست المكافأة أن تصنع ...» أي له الفضيلة بسبب ابتدائه بالاِحسان فهو أفضل منك.
(٢) في بعض النسخ : احتبطت ، وفي بحار الاَنوار : اعتبطت.
قال ابن الاَثير في النهاية ٣/١٧٢ : كلّ من مات بغير علّة فقد اعتُبِط ، ومات فلان عبطةً أي شابّـاً صحيحـاً.
و «قد اغتبطت» أي إن صبرت فعن قريب تصير مغبوطاً في الآخرة يتمنّى الناس منزلتك.
(٣) «الكبر رداء الله» قال ابن الاَثير في النهاية ١/٤٤ : في الحديث «قال الله تبارك وتعالى : العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي»؛ ضرب الرداء والاِزار مثلاً في انفراده بصفة العظمة والكبرياء ، أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتّصف بها الخلق مجازاً كالرحمة والكرم وغيرهما ، وشبّههما بالاِزار والرداء لاَنّ المتّصف بهما يشملانه كما يشمـل الـرداء الاِنسـان؛ ولاَنّـه لا يشاركـه في إزاره وردائـه أحد ، فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد.