والاَرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجرٍ(١).
يا هشام! الغضب مفتاح الشرّ ، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلاّ من كانت يدك عليه العليا فافعل(٢).
يا هشام! عليك بالرفق ، فإنّ الرفق يمن ، والخرق شؤم ، إنّ الرفق والبرّ وحسن الخلق يعمّر الديار ، ويزيد في الرزق(٣).
يا هشام! قول الله : (هل جزاء الاِحسان إلاّ الاِحسان)(٤) جرت في المؤمن والكافر ، والبرّ والفاجر ، من صُنع إليه معروف فعليه أن يكافىَ
____________
(١) «في مكاني» أي في منزلتي ودرجة رفعتي.
«وكففت عليه في ضيعته» يقال : كففته عنه أي صرّفته ودفعته ، والضيعة : الضياع والفساد ، وما هو في معرض الضياع من الاَهل والمال وغيرهما.
وقال في النهاية ٣/١٠٨ : ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغيرها ، ومنه الحديث : «أفشى الله ضيعته» أي أكثر عليه معاشه. انتهى.
فيحتمل أن يكون المـراد صرّفت عنـه ضياعه وهلاكه ، أو صرّفت عنه كسبه بأن لا يحتاج إليه ، أو جمعت عليه معيشته أو ما كان منه في معرض الضياع ، كما قال في النهاية ٤/١٩٠ : لا يكفّها أي لا يجمعها ولا يضمّها ، ومنه الحديث «المؤمن أخ المؤمن يكفّ عليه ضيعته» أي يجمع عليه معيشته ويضمّها إليه.
«وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر» يحتمل وجوهاً :
الاَوّل : أن يكون المراد كنت له عقب تجارة التجّار لاَسوقها إليه.
الثاني : أن يكون المراد أنّي أكفي مهمّاته سوى ما أسوق إليه من تجارة التاجرين.
الثالث : أن يكون معناه : أنا له عوضاً عمّا فاته من منافع تجارة التاجرين.
(٢) «من كانت يدك عليه العليا» اليد العليا : المعطية أو المتعفّفة.
(٣) «والخرق شؤم» الخرق : ضدّ الرفق ، وأن لا يحسن العمل ، والتصرّف في الاَُمور ، والحمق.
(٤) سورة الرحمن ٥٥ : ٦٠.