يا هشام! إنّ المسيح عليه السلام قال للحواريّين : «يا عبيد السوء! يهولكم طول النخلة ، وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها ، وتنسون طيب ثمرها ومرافقها ، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده ، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها(١).
يا عبيد السوء! نقّوا القمح وطيّبوه وأدقّوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الاِيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبّـه(٢).
بحقّ أقول لكم : لو وجدتم سراجاً يتوقّد بالقطران في ليلةٍ مظلمةٍ لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها(٣).
يا عبيد الدنيـا! بحقّ أقول لكـم : لا تدركون شرف الآخـرة إلاّ بترك مـا تحبّون ، فلا تنظروا بالتوبـة غداً ، فإنّ دون غـدٍ يومـاً وليلـة وقضاء الله فيهما يغدو ويروح(٤).
____________
(١) «يهولكم» أي يفزعكم ويعظم عليكم.
«ومؤونة مراقيها» أي شدّة الارتقاء عليها.
«ومرافقها» المنافع ، وهي جمع مرفق ـ بالفتح ـ : ما انتفع به.
«أمده» الاَمد : الغاية ومنتهى الشيء ، يقال : طال عليهم الاَمد ، أي الاَجل.
«ما تفضون إليه» يقال : أفضى إليه ، أي وصل.
«ونورها» النور : الزهرة.
(٢) «ويهنئكم أكله» أي لا يعقب أكله مضرّة.
«غبّه» غبّ كلّ شيء : عاقبته.
(٣) «بالقطران» القطران ـ بفتح القاف وكسرها وسكون الطاء ، وبفتح القاف وكسر الطاء ـ : دهن منتن يستجلب من شجر الاَبهل فيهنأ به الاِبل الجربيّ ـ وهو داء يحدث في الجلد بثوراً صغاراً لها حكّة شديدة ـ ، ويسرع فيه إشتعال النار.
«سوء رغبته» أي ترك عمله بتلك الحكمة.
(٤) «فلا تنظروا بالتوبة غداً» الاِنظار : التأخير.