الدنيا ، كما ولّى منها ، فاعتبر بها(١).
وقال عليّ بن الحسين عليهما السلام : «إنّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الاَرض ومغاربها ، بحرها وبرها ، وسهلها وجبلها ، عند وليّ من أولياء الله وأهل المعرفة بحقّ الله كفيء الظلال»(٢).
ثـمّ قال عليه السلام : «أوَلا حُـرٌّ يدع هذه اللماظـة لاَهلهـا ـ يعني الدُنيـا ـ؟! فليس لاَنفسكم ثمن إلاّ الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فإنّه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس»(٣).
يا هشام! إنّ كلّ الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ، ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها(٤).
____________
(١) «أصلح أيّامك ...» طول الدهر في نفسه لا ينافي قصره بالنسبة إلى كلّ شخص ، أي خذ موعظتك من الدهور الماضية ، والاَزمان الخالية ، ويحتمل أن يكون عمر كلّ شخص باعتبارين.
(٢) «كفيء الظلال» يحتمل أن يكون في الاَشياء ذوات الاَظلال ، كالشجر والجدار ونحوهما ، أو المراد التشبيه بالفيء الذي هو نوع من الظلال ، فإنّ الفيء لحدوثه أشبه بالدنيا من سائر الظلال ، أو لما فيه من الاِشعار بالتفيّؤ والتحوّل والانتقال أي الظلال المتفيَّأة المتحوّلة.
(٣) «اللماظة» ما يبقى في الفم من الطعام ، ومنه قول الشاعر يصف الدنيا : لماظة أيّام كأحلام نائم.
لا يخفى حسن هذا التشبيه إذ كلّ ما يتيسّر لك من الدنيا فهو لماظة من قد أكلها قبلك ، وانتفع بها غيرك أكثر من انتفاعك ، وترك فاسدها لك.
(٤) «إنّ كلّ الناس يبصر بالنجوم ...» لمّا كان من معظم الانتفاع بالنجوم معرفة الاَوقات ، وجهة الطريق في الاَسفار وأمثالها ، ولا تتمّ معرفة تلك الاَُمور إلاّ بكثرة تعاهد النجوم لتعرف مجاريها ومنازلها ومطالعها ومغاربها ومقدار سيرها ، كذلك الحكمة لا ينتفع بها إلاّ بكثرة تعاهدها واستعمالها لتُعرف فوائدها وآثارها.