ولا يتقدّم على ما يخاف العجز عنه(٢) (١).
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه يقول : أُوصيكم بالخشية من الله في السرّ والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والاكتساب في الفقر والغنى ، وأن تصلوا من قطعكم ، وتعفوا عمّن ظلمكم ، وتعطفوا(٣) على من حرمكم ، وليكن نظركم عبراً ، وصمتكم فكراً ، وقولكم ذِكراً ، وطبيعتكم السخاء ، فإنّه لا يدخل الجنة بخيلٌ ، ولا يدخل النار سخي»(٤).
يا هشام! رحم الله من استحيى من الله حقّ الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى(٥) ، وعلم أنّ الجنّة محفوفة
____________
(١) «ولا يَعدُ ما لا يقدر عليه» الاَظهر فيه التخفيف من الوعد ، وإن قرىَ بالتشديد من الاِعداد ، فمعناه لا يمهّد أمراً من الاَُمور حتّى يعلم أنّه قادر على إتمامه والبلوغ إلى غايته.
«ولا يرجو ما يعنّف برجائه» التعنيف : التوبيخ والتقريع واللوم ، أي العاقل لا يرجو فوق ما يستحقّه ، ولا يتطلّع إلى ما لم يستعدّه.
في رواية الكافي : ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه.
«ولا يتقدّم على ما يخاف» أي لا يفعل فعلاً قبل أوانه مبادراً إليه خوفاً من أن يفوته في وقته بسبب عجزه عنه ، بل يفوّض أمره إلى الله.
وبهذا فقد أشار الاِمام عليه السلام إلى حزم العاقل واحتياطه في أقواله وتحفّظه على شرفه ومنزلته ، وتوقّفه من الاِقدام على ما لا يثق بحصوله.
(٢) إلى هنا تنتهي الوصيّة في الكافي ١/١٣ ـ ٢٠ ح ١٢ ، الوافي ١/٨٦ ـ ١٠٦ ح ١٦ ، مرآة العقول ١/٣٨ ـ ٦٤ ح ١٢.
(٣) في بعض النسخ وبحار الاَنوار : وتعطوا.
(٤) «في السرّ والعلانية» بالنظر إلى الخلق.
«في الرضا والغضب» أي سواء كان راضيّاً عمّن يعدل فيه أو ساخطاً عليه ، والحاصل أن لا يصير رضاه عن أحد أو سخطه عليه سبباً للخروج عن الحقّ.
«والاكتساب» يحتمل اكتساب الدنيا والآخرة.
(٥) «وما حوى» أي ما حواه الرأس ، من العين والاَُذن واللسان وسائر المشاعر بأن يحفظها عمّا يحرم عليه.