يا هشام! كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما من شيءٍ عُبِدَ الله به أفضل من العقل(٢)(١).
وما تمّ عقل امرىٍَ حتّى يكون فيه خصالٌ شتّى : الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، ونصيبه من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره.
الذلّ أحبّ إليه مع الله من العزّ مع غيره ، والتواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقلّ كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنّه شرّهم في نفسه ، وهو تمام الاَمر(٣).
____________
(١) في رواية الكافي : «ما عُبِدَ الله بشيءٍ أفضل من العقل» أي أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله هو تكميل العقل باكتساب العلوم الحقيقيّة الاَُخرويّة والمعارف اليقينيّة الباقية المأخوذة من الله سبحانه دون غيره من الطاعات والعبادات البدنيّة والماليّة والنفسيّة كما ورد عن النبي ٩ : يا علي! إذا تقرّب الناس إلى خالقهم بأنواع البرّ فتقرّب أنت إليه بالعقل حتّى تسبقهم.
(٢) أخرج هذه القطعة في عوالم العلوم ٢/٣١ ح ١٠ عن التحف.
(٣) «وما تمّ عقل امرىٍَ» يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين وأن يكون من كلام أبي الحسن الكاظم عليهما السلام وعلى التقديرين فالمنبع واحد ، ذرّيّة بعضها من بعض.
«الكفر والشرّ منه مأمونان» الكفر في الاعتقاد ، والشرّ في القول والفعل ، والكلّ ينشأ من الجهل المنافي للعقل.
«والرشد والخير منه مأمولان» كذلك لكونه مهتدياً صالحاً وهادياً للخلق مصلحاً لهم ، والكلّ ناشىَ من العقل.
«وفضل ماله مبذول» لاستغنائه بالحقّ عن كلّ شيء.
«وفضل قوله مكفوف» لمنافاته طرائف الحكمة.
«نصيبه من الدنيا القوت» لاَنّ الدنيا فانية داثرة مستعارة لا تأتي بخير.
«لا يشبع من العلم دهره» إذ لا نهاية له ، وفيه إشارة إلى أنّ العلم غذاء الروح ، به يتقوّى ويكمل ، وبه حياته.
«الذلّ أحبّ إليـه مـع الله من العزّ مع غيـره» لعلمـه بأنّ العزّة لله جميعاً بالذات