يا هشام! من سلّط ثلاثاً على ثلاثٍ فكأنّما أعان (هواه)(١) على هدم عقله : من أظلم نور فكره(٢) بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه(٣).
يا هشام! كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك(٤) عن أمر ربّك ، وأطعت هواك على غلبة عقلك(٥)؟
يا هشام! الصبـر علـى الوحـدة علامـة قوّة العقـل ، فمـن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب في ما عند
____________
(١) ليس في الكافي.
(٢) في الكافي : تفكّره.
(٣) «بطول أمله» فإنّ طول العمل في الدنيا يمنع التفكّر في الاَُمور الاِلهيّة النوريّة ، لاَنّه يحمل النفس على التفكّر في الاَُمور العاجلة وتحصيل أسبابها الظلمانية ، فمن بدّل تفكّره في الاَنوار الاَُخرويّة والباقيات الصالحات بتفكّره في الظلمات الدنيويّة الناشئة عن طول أمله وحبّه للفانيات فقد أظلم نور تفكّره بطول أمله.
«بفضول كلامه» لاَنّ للكلام حلاوة ولذّة وسكراً ، يشغل النفس عن جهة الباطن ويجعل همّها مصروفاً إلى تحسين العبارات وتحريك القلوب بالنكات والاِشارات ، فيمحو به طرائف الحكمة عن قلبه.
«بشهوات نفسه» لاَنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ عن إدراك غيره ، فحبّ الشهوات يعمي القلب ويذهب بنور عبرته.
والخلاصة : إنّ في الاِنسان قوّتين متباينتين؛ وهما : العقل والهوى ، ولكلّ واحدة منهما صفات ثلاث تضادّ الصفات الاَُخرى ، فصفات العقل : التفكّر والحكمة والاعتبار ، وصفات الهوى : طول الاَمل وفضول الكلام والانغماس في الشهوات ، فمن سلّط هذه الخصال الشريرة على نفسه فقد أعان على هدم عقله ، ومن هدم عقله فقد أفسد دينه ودنياه.
(٤) في الكافي : قلبك.
(٥) «كيف يزكو» يطهر ويخلص وينمو.
«وأنت قد شغلت» بالاَُمور الثلاثة المتقدّمة ـ صفات الهوى ـ.