الكيّس لدى الحقّ يسيرٌ](١).
يا بنيّ! إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ ، قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الاِيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر»(٢).
____________
(١) من الكافي.
(٢) «تواضع للحقّ» التواضع للحقّ هو أن لا يرى الاِنسان لنفسه وجوداً إلاّ بالحقّ ولا قوّة له ولا لغيره إلاّ بالله ، والتواضع من أفضل الاَعمال ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : من تكبّر وضعه الله ، ومن تواضع لله رفعه الله. وإنّ الاِنسان كلّما تجرّد عن الاَنانيّة ومحا عن نفسه التكبّر زاده الله شرفاً وفضلاً.
«أعقل الناس» هم الاَنبياء والاَولياء ، ثمّ الاَمثل فالاَمثل.
«وإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير» إنّ كياسة الاِنسان ـ وهي عقله وفطانته ـ يسير عند الحقّ لا قدر له ، وإنّما الذي له قدر عند الله هو التواضع والمسكنة والخضوع والافتقار إليه ، فكلّ علم وكمال لا يؤدّي بصاحبه إلى مزيد فقر وحاجة إليه تعالى يصير وبالاً عليه وكان الجهل والنقيصة أَوْلى به ، ولذلك قيل : غاية مجهود العابدين تصحيح جهة الاِمكان والفقر إليه تعالى.
«إنّ الدنيا بحر عميق» شبّه لقمان الدنيا بالبحر ، ووجه الشبه تغيّر الدنيا وتغيّر أشكالها وصورها في كلّ لحظة ، فالكائنات التي فيها كالاَمواج التي تكون في البحر معرضاً للزوال والفناء ، ويحتمل أن يكون وجه الشبه أنّ الدنيا كالبحر الذي يعبر عليه الناس ، فكذلك الدنيا يعبر عليها الناس إلى دار الآخرة وتكون النفوس فيها كالمسافرين.
«قد غرق فيه عالم كبير» من الناس في هذه الدنيا ، وإنّما غرقوا لتهالكهم على الشهوات. وفي رواية الكافي : «فيها» بدل «فيه».
«فلتكن سفينتك فيها تقوى الله» وإذا كانت الدنيا بحراً توجب الغرق والهلاك ، فلا نجاة ولا سلامة إلاّ بسفينة التقوى والصلاح.
«وحشوها الاِيمان» أي ما يحشى فيها وتملاَ منها.
«وشراعها التوكّل» على الله والاعتماد عليه في جميع الاَُمور لا على الاَسباب.
«وقيّمها العقل» قيّم السفينة ربّانها الذي نسبته إليها نسبة النفس إلى البدن.
«ودليلها العلم» والعقل دليله العلم فإنّ نسبته إليه كنسبة النور من السراج والرؤية