يا هشام! ثمّ ذكر أُولي الاَلباب بأحسن الذكر ، وحلاّهم بأحسن الحلية ، فقال : (يُؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً وما يذكّر إلاّ أُولوا الاَلباب)(١).
____________
= وقال : (ولكنّ أكثرهم لا يعلمون).
وقال : (وأكثرهم لا يعقلون). [سورة المائدة ٥ : ١٠٣].
وقال : «وأكثرهم لا يشعرون». (اقتباس بالمعنى من آي القرآن الكريم).
أقول : قوله تعالى (ولئن سألتهم) الضمير راجع إلى كفّار قريش وهم كانوا قائلين بأنّ خالق السماوات والاَرض هو الله تعالى ، لكنّهم كانوا يشركون الاَصنام معه تعالى في العبادة.
(قل الحمد لله) أي على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهـم ، إذ لا يستحقّ العبادة إلاّ الموجـد المنعـم بأُصول النعم وفروعها.
(بل أكثرهـم لا يعقلـون) أي أنّهم لا يعلمون أنّـه يلزمهم من القول بالتوحيد في العبادة ، أو لا يعلمون مـا اعترفـوا بـه ببرهان عقليّ ودليل قطعيّ ، لاَنّ كونه تعالى خالق السماوات والاَرض نظريّ لا يُعلم إلاّ ببرهان ، وهم معزولون عن إدراكه ، وإنّما اعترفوا به اضطراراً ، أو لا علم لهم أصلاً حتّى يقرّوا بالتوحيد بعدما أقرّوا بموجبه.
(أن يقول) أي لاَن يقول ، أو وقت أن يقول.
(١) سورة البقرة ٢ : ٢٦٩.
(أُولي الاَلباب) اللبّ : العقل ، وأُريد به هنا ذوي العقول الكاملة.
(ومن يؤت الحكمة) الحكمة : هي من أعظم المواهب ، ومن أجلّ الصفات؛ فقد قيل في تعريفها : إنّها العلم الذي تعظم منفعته ، وتجلّ فائدته.
وروي عن الصادق عليه السلام أنّها طاعة الله ومعرفة الاِمام.
وفي رواية أُخرى عنه عليه السلام أنّها معرفة الاِمام واجتناب الكبائر التي أوجب الله تعالى عليها النار.
وفي رواية أُخرى عنه عليه السلام أنّها المعرفة والفقه في الدين ، فمن فقه منكم فهو حكيم.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : رأس الحكمة مخافة الله.
وقال في المغرّب : الحكمة ما يمنع من الجهل.
وقال ابن دريد : كلّ ما يؤدي إلى مكرمة أو يمنع من قبيح.