أوضاع الاَُمّة ، وما أصابها من تفكّك وهوان ، ورأى أنّ الداء وراء تحكّم النزعات في النفوس ، وأنّ الدواء هو الالتزام بمبادئ وأحكام الدين ، وأنّ رسوخ العقيدة في القلوب قوّة لاَفراد الاَُمّة ، ومنعة لكيان المجتمع من تحكّم النزعات ، وانتشار الرذيلة ، كما أنّها سلاح فاتك يرهب ولاة الجور.
فكان عليه السلام لا تفوته فرصة دون أن يدعو إلى اعتناق الفضائل ، ومحاربة الرذيلة ، ليصبح المجتمع متماسكاً يستطيع أن يوحّد كلمته في مقابلة الظالمين الّذين استبدّوا بالحكم ، وابتعدوا عن الاِسلام ، وإنّ الثورة الدمويّة ضدّهم لا تعود على المجتمع إلاّ بالضرر لاَنّهم أُناس عرفوا بالقسوة وسوء الانتقام ، ولهم أعوان يشدّون أزرهم ، وأنصار يدافعون دونهم ، فالاِمام عليه السلام كان يُعنى بإصلاح الوضع الداخلي ، فكان يرسل وصاياه عامّة شاملة ، وينطق بالحكمة عن إخلاص وصفاء نفس ، وحبّ للصالح العامّ ليعالج المشاكل الاجتماعيّة ، وكان يدعو الناس إلى الورع عن محارم الله ، والخوف منه تعالى ، والامتثال لاَوامره ، والشعور بالمسؤوليّة أمام الله تعالى ، وجعل يوم الحساب ماثلاً أمام أعينهم ، مع حثّهم على التكسّب وطلب الرزق كما كان يحثّ على العمل ويعمل بنفسه(١) ، وينهى عن الكسل
____________
(١) روى الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرضٍ له ، قد استنقعت قدماه في العرق ، فقلت : جعلت فداك ، أين الرجال؟!
فقال : يا علي ، قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ، ومن أبي.
فقلت : ومن هو؟
فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ، وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والاَوصياء والصالحين.
الكافي ٥/٧٥ ح ١٠ ، من لا يحضره الفقيه ٣/١٦٢ ح ٣٥٩٣ ، بحار الاَنوار