والبطالة ، ويأمر بطلب الرزق كما أمر الله تعالى.
ولم يكن عليه السلام أوّل من دارت عليه الرحى ، فقد كان آباؤه الماضون عليهم السلام ينابيع الحكم ، ومعدن الرسالة ، وله خير أُسوة بأبيه الصادق عليه السلام ، فريد عصره ، ووحيد زمانه ، فإليه كانت تشدّ الرحال ، وينهل من علمه المخالف والمؤالف ، وكانت مدرسته موضع عناية المفكّرين يقصدها زعماء المذاهب ، فكان الاِمام عليه السلام يناظرهم ، وقد اجتمع بكثير منهم في العراق ومكّة فكانوا يخضعون لعذوبة منطقه ، وحسن بيانه ، وقوّة حجّته ، وقدرته الفائقة في التوجيه لاتّساع عمله ، وساطع برهانه ، وقد حضر عنده كثير من أهل الآراء والمعتقدات المنحرفة عن طريق الصواب ، فهدى الله به بعضاً منهم وتعنّت آخرون.
فهذا سفيان الثوري ، وهو من علماء الاَُمّة يختلف إلى الاِمام ، ويطلب منه أن يوصيه بما ينفعه ، ثمّ يستزيده مرّة بعد أُخرى ، وقد أكثر سفيان مِنْ ذِكر تلك الوصايا ونشرها للملاَ ، ولا يستبعد أن يكون ذلك هو السبب في مطاردته من قبل السلطات بعد أن فشلت في محاولتها لاستمالته حتّى مات مغضوباً عليه من قبل ولاة الجور(١).
وهذا أبو حنيفة يغتنم الحضور عنده ويصغي لوصاياه عندما قدم إلى المدينة ، وكذلك في الكوفة يوم دخلها الاِمام الصادق عليه السلام ، كما تحدّثت بذلك كتب مناقب أبي حنيفة(٢) ، وغيرها.
____________
= ٤٨/١١٥ ح ٢٧ ، وسائل الشيعة ١٢/٢٣ ح ٦.
(١) انظر : تفسير فرات الكوفي : ١١٥ ح ١١٧.
(٢) انظر : مناقب أبي حنيفة ـ للخوارزمي ـ : ٤٠ و ٤٩ و ١١٥ و ١٤٨ ، ومناقب أبي حنيفة ـ للكردري ـ : ٨٣ و ١٩٣.