آخر أي ما جعلنا القبلة الّتي كنت مقبلا عليها أو حريصا عليها أو مديما على حبّها أن يجعل قبلة أو مصرّا أو نحو ذلك.
وهنا وجوه أخر منها إرادة التحويل إطلاقا للعامّ على الخاص ، ومنها تضمين الجعل معنى التحويل ، ومنها حذف الخبر أي منسوخة ، والكلّ ضعيف ، وأضعف منها ما في المعالم من جعلها من باب حذف المضاف أي ما جعلنا تحويل القبلة كما لا يخفى فعلى الأوّل الاخبار عن الجعل المنسوخ ، وعلى الباقي عن الجعل الناسخ.
(إِلَّا لِنَعْلَمَ) أي إلّا امتحانا للناس لنعلم من يتّبع الرسول ويثبت على الدين ممّن ينكص على عقبيه ، فعلى الأوّل يمكن أن يراد لنعلم ذلك عند كونها قبلة ، وأن يراد لنعلم الآن عند الصرف إلى الكعبة ذلك أو الأعمّ ولعلّه أولى.
فإن قيل : كيف يكون علمه تعالى غاية لهذا الجعل ، وهو لم يزل عالما؟ يقال في ذلك وجوه :
أحدها أنّ المراد فيه وفي أشباهه العلم الذي يتعلّق به الجزاء ، أي العلم به موجودا حاصلا.
ثانيها أنّ المراد لنميّز ، فوضع العلم موضع التميز ، وهو الذي يقتضيه قوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) كما لا يخفى كما قال تعالى (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) قال القاضي وتشهد له قراءة «ليعلم» على البناء للمفعول.
وثالثها أنّ المراد علم رسول الله والمؤمنين مع علمه ، فعلمه وإن كان أزليا لكن لا ريب في جواز عدم حصول علم الجميع إلّا بعد الجعل ، كما هو الواقع.
ورابعها أنّ المراد علم الرسول والمؤمنين ، وإنّما استند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه ، وأهل الزلفى لديه ، وهو قريب ممّا تقدّمه.
وخامسها أنّ المقتضي بالذات علم غيره من الرسول والمؤمنين ، أو والملائكة على ما قيل ، لكنّه ضمّهم إلى نفسه وعلمهم إلى علمه إشارة إلى أنهم من خواصه وأهل الزلفى لديه فليتأمل فيه.
وسادسها وهو التمثيل أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم ، فالعلم إمّا بمعنى