التمييز كما تقدّم ، أو بمعنى المعرفة ، إذ ليس له في الظاهر إلّا مفعول واحد هو «من» الموصولة.
ويجوز أن يكون من استفهاميّة واقعة موقع المبتدء ، ويتّبع موقع الخبر ، فيكون العلم من المتعدّي إلى مفعولين معلّقا عن الاستفهاميّة كقولك علمت أزيد في الدار أم عمرو ، و (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) حالا من فاعل يتبع ، أي مميزا عنه ، وبهذا يندفع ما قال أبو البقاء من أنّه لا يجوز كونها استفهاميّة لأنه يلزم التعليق ، ولا يبقى لقوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) متعلّق ، إذ لا معنى لتعلّقه بيتبع ، ولا وجه لتعلقه بنعلم ، لأنّ ما بعد الاستفهام لا يتعلّق بما قبله.
فان قيل لا قرينة على حذف مميزا ، قلنا بل فحوى الكلام ليس غيره ، على أنّه مشترك الإلزام ، إذ على تقدير الموصولية أيضا هو حال ممّن بمعنى متميزا.
فان قيل كيف يكون العلم بمعنى المعرفة ، والله تعالى لا يوصف بها؟ قلنا إن ثبت فلعلّه لشيوعها فيما يكون مسبوقا بالعدم ، وليس العلم الذي بمعنى المعرفة كذلك بل المراد به الإدراك الذي لا يتعدّى إلى مفعولين.
ثمّ قوله (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) قيل فيه قولان أحدهما أنّ المراد من يرتدّ عن الإسلام كما روي أنّ القبلة لما حوّلت ارتدّت قوم من المسلمين إلى اليهودية ، والآخر أنّ المراد به كلّ مقيم على كفره ، لأنّ جهة الاستقامة إقبال ، وخلافها إدبار ، ولذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر ، وقال (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) عن الحق ، وهنا وجه ثالث ، وهو ما يعمّ الجميع وهو غير بعيد فافهم.
(وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ).
إن هي المخفّفة الّتي يلزمها لام الفارقة بينها وبين النافية ، لا بينها وبين المشدّدة وعن سيبويه أن تأكيد يشبه اليمين ، ولذلك دخلت اللام في جوابها. وفي تفسير القاضي : وقال الكوفيّون هي النافية ، واللّام بمعنى إلّا ، والضمير لما دلّ عليه قوله (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) من الردّة والتحويل ويجوز أن يكون للقبلة.