تعالى لموسى عليهالسلام فحملها ، وقيل ، يحتمل أن يكون ـ آتينا ـ إلخ أفهمناه ما انطوى عليه من الحدود والأحكام والأنباء والقصص وغير ذلك مما فيه ، والكلام على حذف مضاف أي علم ـ الكتاب ـ أو فهمه وليس بالظاهر (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) يقال ـ قفاه ـ إذا اتبعه ـ وقفاه ـ به إذا أتبعه إياه من ـ القفا ـ وأصل هذه الياء واو لأنها متى وقعت رابعة أبدلت كما تقول عريت من العرو أي أرسلناهم على أثره كقوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) [المؤمنون : ٤٤] وكانوا إلى زمن عيسى عليهالسلام أربعة آلاف ، وقيل : سبعين ألفا وكلهم على شريعته عليهالسلام منهم يوشع. وشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعياء وأرمياء وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام وقرأ الحسن. ويحيى بن يعمر ـ بالرسل ـ بتسكين السين ، وهو لغة أهل الحجاز والتحريك لغة تميم (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي الحجج الواضحة الدالة على نبوته فتشمل كل معجزة ـ أوتيها ـ عليهالسلام وهو الظاهر ، وقيل : الإنجيل ، وعيسى أصله بالعبرانية أيشوع بهمزة ممالة بين بين ، أو مكسورة ـ ومعناه السيد ـ وقيل : المبارك فعرب ، والنسبة إليه عيسى وعيسوي وجمعه عيسون بفتح السين ـ وقد تضم ـ وأفرده عن الرسل عليهالسلام لتميزه عنهم لكونه من أولي العزم وصاحب كتاب ، وقيل : لأنه ليس متبعا لشريعة موسى عليهالسلام حيث نسخ كثيرا من شريعته. وأضافه إلى أمه ردا على اليهود إذ زعموا أن له أبا ، ومريم بالعبرية الخادم وسميت أم عيسى به لأن أمها نذرتها لخدمة بيت المقدس ، وقيل : العابدة ، وبالعربية من النساء من تحب محادثة الرجال فهي كالزير من الرجال ، وهو الذي يحب محادثة النساء ، قيل : ولا يناسب مريم أن يكون عربيا لأنها كانت برية عن محبة محادثة الرجال اللهم إلا أن يقال سميت بذلك تلميحا كما يسمى الأسود كافورا ، وقال بعض المحققين : لا مانع من تسميتها بذلك بناء على أن شأن من تخدم من النساء ذلك ، وفي القاموس هي التي تحب محادثة الرجال ولا تفجر ـ وعليه لا بأس بالتسمية كما ذكره المولى عصام ـ والأولى عندي أن التسمية وقعت بالعبري لا بالعربي بل يكاد يتعين ذلك كما لا يخفى على المنصف ؛ وعن الأزهري المريم المرأة التي لا تحب مجالسة الرجال وكأنه قيل لها ذلك تشبيها لها بمريم البتول ووزنه عربيا مفعل لا فعيلا (١) لأنه لم يثبت في الأبنية على المشهور ، وأثبته الصاغاني في الذيل ، وقال : إنه مما فات سيبويه ، ومنه عثير للغبار ، وضهيد ـ بالمهملة والمعجمة ـ للصلب واسم موضع ، ومدين على القول بأصالة ميمه ، وضهيا بالقصر وهي المرأة التي لا تحيض أو لا ثدي لها من المضاهاة كأنها أطلق عليها ذلك لمشابهتها الرجل ؛ وابن جني يقول : إن ضهيد وعثير مصنوعان فلا دلالة فيهما على إثبات فعيل ، وذكر الساليكوتي أن عثير بمعنى الغبار ـ بكسر العين ـ وإذا كان مفعلا فهو أيضا على خلاف القياس إذ القياس إعلاله بنقل حركة الياء إلى الراء وقلبها ألفا نحو مباع لكنه شذ كما شذ مدين ، ومزيد ، وإذا كان من رام يريم إذا فارق وبرح فالقياس كسر يائه أيضا (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي قويناه بجبريل عليهالسلام وإطلاق (بِرُوحِ الْقُدُسِ) عليه شائع فقد قال سبحانه : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) [النحل : ١٠٢] وقال صلىاللهعليهوسلم لحسان رضي الله تعالى عنه «اهجهم وروح القدس معك» ومرة قال له : «وجبريل معك» وقال حسان :
وجبريل وروح القدس فينا |
|
«وروح القدس» ليس له كفاء |
و (الْقُدُسِ) الطهارة والبركة ، أو ـ التقديس ـ ومعناه التطهير. والإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة للمبالغة في الاختصاص. وهي معنوية بمعنى ـ اللام ـ فإذا أضيف العلم كذلك يكون مؤولا بواحد من المسمين به.
__________________
(١) قوله : لا فعيلا كذا بخطه ا ه مصححه.