أحوالهم دنيا وأخرى فقال سبحانه في الأولى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة : ٧] وفي الثانية (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ١٠] (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [البقرة : ٧] وفي الثالثة (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة : ١٠] (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة : ١٠] أقبل عز شأنه عليهم بالخطاب على نهج الالتفات هزا لهم إلى الإصغاء وتوجيها لقلوبهم نحو التلقي وجبرا لما في العبادة من الكلفة بلذيذ المخاطبة ويكفي للنكتة الوجود في البعض ، و «يا» حرف لا اسم فعل على الصحيح وضع لنداء البعيد ، وقيل : لمطلق النداء أو مشتركة بين أقسامه ، وعلى الأول ينادي بها القريب لتنزيله منزلة غيره إما لعلو مرتبة المنادي أو المنادى ، وقد ينزل غفلة السامع وسوء فهمه منزلة بعده ، وقد يكون ذلك للاعتناء بأمر المدعو له والحث عليه لأن نداء البعيد وتكليفه الحضور لأمر يقتضي الاعتناء والحث ، فاستعمل في لازم معناه على أنه مجاز مرسل أو استعارة تبعية في الحرف أو مكنية وتخييلية ـ وهو مع المنادى المنصوب لفظا أو تقديرا به لنيابته عن نحو ناديت الإنشائي أو بناديت اللازم الإضمار لظهور معناه مع قصد الإنشاء ـ كلام يحسن السكوت عليه كما يحسن في نحو «لا ، ونعم» و ـ أي ـ لها معان ـ شهيرة والواقعة في النداء نكرة موضوعة لبعض من كل ، ثم تعرفت بالنداء وتوصل بها لنداء ما فيه ـ أل ـ لأن «يا» لا يدخل عليها في غير الله إلا شذوذا لتعذر الجمع بين حرفي التعريف فإنهما كمثلين وهما لا يجتمعان إلا فيما شذّ من نحو :
فلا والله لا يلفى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء |
وأعطيت حكم المنادى وجعل المقصود بالنداء وصفا لها والتزم فيه هذه الحركة الخاصة المسماة بالضمة خلافا للمازني فإنه أجاز نصبه وليس له في ذلك سلف ولا خلف لمخالفته للمسموع وإنما التزم ذلك إشعارا بأنه المقصود بالنداء ولا ينافي هذا كون الوصف تابعا غير مقصود بالنسبة لمتبوعه لأن ذلك بحسب الوضع الأصلي حيث لم يطرأ عليه ما يجعله مقصودا في حد ذاته ككونه مفسرا لمبهم ومن هنا لم يشترطوا في هذا الوصف الاشتقاق مع أن النحويين ـ إلا النذر ـ كابن الحاجب اشترطوا ذلك في النعوت على ما بين في محله ، و «ها» التنبيهية زائدة لازمة للتأكيد والتعويض عما تستحق من المضاف إليه أو ما في حكمه من التنوين كما في (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] وإن لم يستعمل هنا مضافا أصلا وكثر النداء في الكتاب المجيد على هذه الطريقة لما فيها من التأكيد الذي كثيرا ما يقتضيه المقام بتكرر الذكر والإيضاح بعد الإبهام والتأكيد بحرف التنبيه واجتماع التعريفين. هذا ما ذهب إليه الجمهور ، وقطع الأخفش ـ لضعف نظره ـ بأن «أيا» الواقعة في النداء موصولة حذف صدر صلتها وجوبا لمناسبة التخفيف للمنادى ـ وأيد بكثرة وقوعها في كلامهم ـ موصولة ، وندرة وقوعها موصوفة ، واعتذر عن عدم نصبها حينئذ مع أنها مضارعة للمضاف بأنه إذا حذف صدر صلتها كان الأغلب فيها البناء على الضم ، فحرف النداء على هذا يكون داخلا على مبني على الضم ولم يغيره ، وإن كان مضارعا للمضاف ، ويؤيد الأول عدم الاحتياج إلى الحذف وصدق تعريف النعت والموافقة مع هذا وأنها لو كانت موصولة لجاز أن توصل بجملة فعلية أو ظرفية إلى غير ذلك مما يقطع المنصف معه بأرجحية مذهب الجمهور ، نعم أورد عليه إشكال استصعبه بعض من سلف من علماء العربية وقال : إنه لا جواب له ـ وهو أن ما ادعوا كونه تابعا ـ معرب بالرفع وكل حركة إعرابية إنما تحدث بعامل ولا عامل يقتضي الرفع هناك لأن متبوعه مبني لفظا ومنصوب محلا فلا وجه لرفعه ، وأقول : إن هذا من الأبحاث الواقعة بين أبي نزار وابن الشجري ، وذلك أنه وقع سؤال عن ضمة هذا التابع فكتب أبو نزار أنها ضمة بناء وليست ضمة إعراب لأن ضمة الإعراب لا بد لها من عامل يوجبها ولا عامل هنا يوجب هذه الضمة ، وكتب الشيخ منصور موهوب بن أحمد أنها ضمة إعراب ولا يجوز أن تكون ضمة بناء ، ومن قال ذلك فقد غفل عن الصواب ، وذلك لأن الواقع عليه النداء أي