وتمييزا طبقيا لا يعرفه الاسلام ، ورقابة ملتوية الأساليب ، ورصدا بعيد المرامي ، وأثرة لا مثيل لها في اقتطاع المناصب واحتجان الأموال ومصادرة الحريات؛ والشعب المسلم في بؤس وشقاء وحرمان ، وطوابير الجياع يلتهمها الفقر والضياع ، وقصور السلاطين تموج بالترف والبذخ والاسراف ، ولا سلطان لأحد في الانكار والتغيير ، والناس كل الناس بين خليفة لاه ، ومسؤول ساه ، وسياط تلهب الظهور.
هذا غيض من فيض لتلك الصورة المأساوية التي دونها التأريخ في الحنايا لا في الصفحات الأولي؛ وينفجر الموقف عن اتجاهات ثورية ، فتسيل الدماء ، وتزهق الأرواح ، وتتكاتف أعداد الأسري ، وينفجر الموقف أيضا عن هلع وفزع وقلق فيتجرع الناس مرارة الخوف وسيل الأزمات النفسية.
وكان الحكم العباسي دون مغالاة : عبارة عن مخلوق دموي عنيف ، ينام ويستيقظ علي الارهاب والفكر المتعثر ، فلا يحلم الا بالدمار الشامل للرافضين ، ولا يستمع لأنات هذا الشعب الضائع ، ولا يفكر بمصير الأمة المتداعي ، وكل ما يصدر عنه ازاء ذلك كله هو تفجير طاقات العنف والانفعال للقضاء علي المعارضين أو الناصحين ، ولا يكاد يصحو من جرائمه اطلاقا ولا يفكر لحظة زمنية في يقظة الضمير التي قد تغتاب الطغاة حينا ، فيرتد عن تصرفاته الشاذة ، ويعي أن الانسان كائن ذو أهمية خاصة وله نقطته المركزية في الكون ، وانما هو الاندفاع بأعمال القهر والقسر ، والاغراق في العمي المطبق ، وكأن تصرفاته السلوكية هذه انعكاس للبركان الحاقد المتواجد في نفوس الحاكمين.
وكان الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) في الاتجاه المعاكس لهذا التخلف العريض ، وكان التماعه الذهني المتوقد دقيقا في رصد العواطف المرهفة