فمن سخيف القول ما قال بعضهم (١) : «إنّ الوجود مشترك لفظيّ ، وهو في كلّ ماهيّة يحمل عليها بمعنى تلك الماهيّة».
ويردّه لزوم سقوط الفائدة في الهليّات البسيطة (٢) مطلقا (٣) ، كقولنا : «الواجب موجود» و «الممكن موجود» و «الجوهر موجود» و «العرض موجود».
على أنّ من الجائز أن يتردّد بين وجود الشيء وعدمه مع العلم بماهيّته ومعناه (٤) ، كقولنا : «هل الاتّفاق (٥) موجود أو لا؟». وكذا التردّد في ماهيّة الشيء مع الجزم بوجوده ، كقولنا : «هل النفس الإنسانيّة الموجودة جوهر أو عرض؟» والتردّد في أحد شيئين مع الجزم بالآخر يقضي بمغايرتهما.
ونظيره في السخافة ما نسب إلى بعضهم (٦) : «أنّ مفهوم الوجود مشترك لفظيّ
__________________
ـ طرفي القضيّة كافيا في التصديق بها ، ضرورة أنّ الاشتراك المعنويّ للوجود ليس كذلك ، فإنّ العقل لا يمنع تعدّد مفهوم الوجود ، بل اشتراكه كذلك من الوجدانيّات ، لأنّ من راجع إلى وجدانه يجد أنّ مفهوم الوجود يحمل على ما يحمل عليه بمعنى واحد. والوجدانيّات قريبة من الأوّليّات ، لوضوحها.
(١) وهو أبو الحسن الأشعريّ وأبو الحسين البصريّ على ما في شرح المواقف : ٩٢ ، وشرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٦ ، وشرح المقاصد ١ : ٦١ ، وإرشاد الطالبين : ٢٠.
(٢) أمّا الملازمة فقال الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٢٣ : «لكان قول القائل : (الجوهر موجود) مثل قوله : (الجوهر جوهر). وبالجملة : لا يكون الحمل والوضع هاهنا إلّا في اللفظ ، ولمّا لم يكن كذلك علمنا أنّ الوجود مغاير للجوهريّة» إنتهى كلامه.
ولكن يرد عليه : أنّ المعتبر في الحمل هو المغايرة بين الموضوع والمحمول ولو اعتبارا.
نعم يردّه لزوم سقوط الفائدة في الهليّات البسيطة ، لأنّ المطلوب بها وجود الشيء ، وإذا كان الوجود بمعنى ماهيّة يحمل عليها فلا فائدة لطلبه بها.
(٣) أي : سواء كان ما يطلب بها هو الواجب تعالى أو غيره.
(٤) كذا في المباحث المشرقيّة ١ : ٢٥ حيث قال : «إنّه يصحّ منّا أن نعقل الماهية ونشكّ في وجودها ، والمشكوك ليس نفس المعلوم ولا داخلا فيه» انتهى كلامه.
(٥) وهو الأثر الحاصل من دون تأثير مؤثّر فيه.
(٦) وهو الكشّيّ وأتباعه على ما في شرح المواقف : ٩٢ حيث قال : «وهاهنا مذهب ثالث نقل عن الكشّيّ وأتباعه ، وهو : أنّ الوجود مشترك لفظا بين الواجب والممكن ، ومشترك معنى بين ـ