وهل يبدوا أو يدنوا محياك بعد ما |
|
تلاطمت الأمواج ويجمع الشمل؟ (١) |
وتضاعفت آلام الصفار من جراء الفراق بخوفه من هول البحر. فالرحلة عبر البحر تفوق كثيرا مستوى المجهول ، بل هي مغازلة صريحة للموت. وهنا أيضا ، فإن هذا الشعور نموذجي متبادل بين الناس ، لأنه غالبا ما يخشى المسافر في أعماقه أن يموت بعيدا عن موطنه الأصلي.
كما تكون مرحلة العودة مشحونة أيضا بالصعوبات. فعند الرجوع إلى الأمور المعتادة ، يجد المسافر نفسه مشدودا بين تناقضات مشاعره الوجدانية. إذ لا تعني العودة إلى البيت مجرد التمكن من تجديد الصلة بالأحبة لطول الشوق إليهم ، بل تعني أيضا الرجوع إلى القيود والالتزامات التي تفرضها عليه الحياة اليومية ، وأن يترك من ورائه ذلك الطابع السحري العجيب المميز للرحلة (٢). وإذا كانت رحلة الصفار لا تحتوي على أي وصف لظروف العودة إلى البلد ، فإنها تتضمن تعبيرا شعوريا عميقا بلغ ذروته القصوى من السمو. فقد جاء في الصفحة الأخيرة من مخطوط الرحلة ، عندما ودع الصفار فرنسا هذا القول : «وأستغفر الله مما جنت يداي ، وأبصرت هناك عيناي من المناكر الشنيعة ، وسمعته أذناي من الإشراك والكفريات الفظيعة» (٣). وكانت الملاحظة عبارة عن خاتمة : إذ تضمنت اعترافا منه بأهمية الأشياء العجيبة التي شاهدها ، وتنكرا في الوقت نفسه لمعايشته إياها مدة من الزمن. وبذلك يتحرر الصفار من افتتانه بالتجربة المقدسة ، ويشرع في العودة إلى المألوف والمعتاد ، وهو واع بما يفعل.
إن البنية الثلاثية للرحلة تجعلها ترتفع إلى مستوى «القصة الرمزية للحياة الإنسانية ذاتها» (٤). وكما هو الشأن في الحياة ، فقد تتخللها لحظات من البهجة والحبور ولحظات أخرى من التعاسة والأسى. وتعلقت بعض الأشياء التي شاهدها الصفار في فرنسا بأمور ذات صلة بالحياة المدنية. غير أنه كانت للكثير منها أيضا
__________________
(١) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.
(٢) Graburn ,"Tourism ",p.٧٢.
(٣) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.
(٤) Fussell ,Abroad ,p.٩٠٢.