وهل يبدوا أو
يدنوا محياك بعد ما
|
|
تلاطمت الأمواج
ويجمع الشمل؟
|
وتضاعفت آلام
الصفار من جراء الفراق بخوفه من هول البحر. فالرحلة عبر البحر تفوق كثيرا مستوى
المجهول ، بل هي مغازلة صريحة للموت. وهنا أيضا ، فإن هذا الشعور نموذجي متبادل
بين الناس ، لأنه غالبا ما يخشى المسافر في أعماقه أن يموت بعيدا عن موطنه الأصلي.
كما تكون مرحلة
العودة مشحونة أيضا بالصعوبات. فعند الرجوع إلى الأمور المعتادة ، يجد المسافر
نفسه مشدودا بين تناقضات مشاعره الوجدانية. إذ لا تعني العودة إلى البيت مجرد
التمكن من تجديد الصلة بالأحبة لطول الشوق إليهم ، بل تعني أيضا الرجوع إلى القيود
والالتزامات التي تفرضها عليه الحياة اليومية ، وأن يترك من ورائه ذلك الطابع
السحري العجيب المميز للرحلة . وإذا كانت رحلة الصفار لا تحتوي على أي وصف لظروف العودة
إلى البلد ، فإنها تتضمن تعبيرا شعوريا عميقا بلغ ذروته القصوى من السمو. فقد جاء
في الصفحة الأخيرة من مخطوط الرحلة ، عندما ودع الصفار فرنسا هذا القول : «وأستغفر
الله مما جنت يداي ، وأبصرت هناك عيناي من المناكر الشنيعة ، وسمعته أذناي من
الإشراك والكفريات الفظيعة» . وكانت الملاحظة عبارة عن خاتمة : إذ تضمنت اعترافا منه
بأهمية الأشياء العجيبة التي شاهدها ، وتنكرا في الوقت نفسه لمعايشته إياها مدة من
الزمن. وبذلك يتحرر الصفار من افتتانه بالتجربة المقدسة ، ويشرع في العودة إلى
المألوف والمعتاد ، وهو واع بما يفعل.
إن البنية
الثلاثية للرحلة تجعلها ترتفع إلى مستوى «القصة الرمزية للحياة الإنسانية ذاتها» . وكما هو الشأن في الحياة ، فقد تتخللها لحظات من البهجة
والحبور ولحظات أخرى من التعاسة والأسى. وتعلقت بعض الأشياء التي شاهدها الصفار في
فرنسا بأمور ذات صلة بالحياة المدنية. غير أنه كانت للكثير منها أيضا
__________________