ثوبها من أجل ما نسج فوق الثوب من طرازات الذهب مسلكة بالأحجار والجواهر ، وأقفالها كلها جوهر وعليهم حزم مثقلة بالذهب يجرون أسيابا لا توصف حليتها ، فكانوا أحسن زيا وأجمل منظرا من النصارى بكثير. هناك أيضا باشدور من عند السلطان العثماني (١).
فلما اجتمعنا في صالة من صيلانهم خرج علينا سلطانهم ، فوقف أولا مع الباشدور المبعوث من عند كبير رومة التي هي أصل دياناتهم وبها باباههم الكبير (٢) الذي ينقادون له في أمور دينهم ، ويزعمون أنه خليفة عيسى عليهالسلام. فتكلم أولا باشدور رومة المذكور بكلام في ورقة كما هي عادتهم حسبما تقدم ، معناه بالعربية : هذا عام مبارك جئنا نفرح بسلامتك وسلامة أناسك ، وحمدنا الله الذي جعلك في هذا المحل وقواك على حمل ثقل ما أوليته من المرتبة العالية. فمن يوم وليت في كرسي فرانسا وأنت ساع في الخير. ردعت خيل الشر ورددتها بلجامها ، إذ كان بعضها يريد أن يغير على بعض ، وأنت برشادك وعقلك رددتهم إخوة ومشيتهم على الطريق المستقيم. ولم يتول سلطان إلا بإذن الله ، ونحن ننظر في خدمتك أنها بهداية الله وقدرته التي تحفظنا. فنطلب الله أن يديمك في هذا المقام ، وأن يبقيك دائما دمان لهذا الشقف (٣) تسيره بحسن سياستك. والله يبارك لك فيمن ازداد عند أولادك في هذا العام من الحفائد ، بقدر ما تتفرع جدراتك يتفرع الخير ، والله يحفظنا ويحفظك.
فأجابه السلطان بقوله : الله يجعل فيكم البركة ويجازيكم خيرا على هذا الدعاء الذي تدعون لي به وتحبون لي الخير ، وهذا هو الظن بكم وبالأجناس الذين أنتم مراسيل من عندهم. وشكركم الذي تشكروني إنما هو لله ، لأنه هو الذي جعلني في هذا المحل وألهمني لهذه الخدمة ، وهداني لهذه السيرة وأقدرني على ما أفعله فيها. ونحن معشر السلاطين علينا كلفة يسألنا الله عنها ، ونحن رعيان ولا بد نحفظ الغنم التي نرعاها. فما دمت في طريق الخير ، فادعوا لي بدوام المملكة ، وسعيي كله إنما هو في الحرص على الأخوة بين عباد الله. وما عندي جنس أفضل من آخر ، بل نريد أن تكون المحبة الخالصة بيننا وبينهم جميعا على السواء ، والله يسلمكم على مباركتكم
__________________
(١) أورد الصفار هذا الخبر في هامش الصفحة ٩٣ من مخطوط الرحلة.
(٢) ويعني بها البابا ، (Le Pape).
(٣) دمان ، ومعناه مقود ، ٤٦٢ : ١Dozy. ويقصد الصفار بعبارة دمان الشقف ، قائد السفينة أو المركب.