قضيب من الحديد قائما من الأرض له رأسان يمنع مريد البول من تلوث ثيابه بالبول الذي في داخلها. ويبولون أيضا في أصول الحيطان في الزقاق ، وليس ذالك عندهم عيبا ، ولكن لا يغفلون عن نظافة طرقهم بالكنس والرش بالماء.
وبهذه المدينة محال يتماشى الناس فيها هي متنزهاتهم. ونزهتهم إنما هي أن يأخذ الرجل بيد صاحبه أو صاحبته ، ويقصدون موضعا من المواضع المشهورة عندهم يتماشون فيها وهم يتحدثون وينظرون ، وليست نزهتهم بالأكل والشرب بل ولا بالجلوس. فمن منتزهاتهم موضع يسمى الشمزليزي (١) ، وهو موضع قرب النهر المذكور لجهة سراية السلطان وبه كان منزلنا ، فيه أشجار مصطفة متوازية بين صفي الشجر كشكل الزقاق المستقيم. فإذا أورقت تلك الشجر وتعانقت أغصانها وغرد الأطيار فوقها ، كان فيها منظر عجيب. وفيه كثير من القهاوي وديار الفرجات كالتياترو (٢) أو نحوه. وبه فوّارات ماء كبيرة جدا فيها تماثيل من أشخاص آدميين وغيرهم ، كلها ترسل من أفواهها الماء بقوة واندفاع (٣) يزعمون أنهم إلاهات الماء ، وبأيديهم سمك يبزق الماء أيضا. وكل ذالك بالحركات ، وماؤها يصعد عمودا واحدا إلى أعلاه ، ولا يرسلونه في زمن البرد لأنه يجمد.
وبقرب هذا المحل رياض السلطان المتصل بسراية سكانه ، وهو أيضا من المنتزهات عندهم (٤) ، وإن كانت له أبواب وأسوار وعلى الأبواب حراس لاكن لا يمنعون أحدا من دخوله ، وإنما حجّر السلطان فيه موضعا صغيرا متصلا بجدار داره. وبهذا الرياض أشجار كثيرة عظام على شكل غرسهم ، والمقصود منها الظل. وفي خلالها جلسات
__________________
(١) ويقابلها بالفرنسية (Champs ـ Elyse؟es) الشانزيليزي ، أحد الشوارع الباريزية الراقية والمشهورة.
(٢) ويقابلها بالفرنسية (The؟tre).
(٣) ويتعلق الأمر بنافورتين يمكن مشاهدتهما اليوم في ساحة لاكونكورد (Place de la Concorde) ، وكان بناؤهما بأمر من الملك لويس فيليب لمحو الدلالات الشعبية التي أصبحت لتلك الساحة بعد ما نصبت فيها مقصلة الثورةGuide Michelin : Paris ,ed.,٨٨٩١ ,p.٧٤.
(٤) كانت حدائق التويلوري des Tuileries Jardin مجاورة للضفة اليمنى لنهر السين. وكان القصر الملكي المعروف بقصر التويلوري (Palais des Tuileries) يقع عند نقطة معينة من تلك الضفة ، بينما كانت ساحة لاكونكورد عند الجهة الأخرى للضفة نفسها. غير أن القصر قد دمر خلال أحداث كومونة باريز في ماي ١٨٧١.