فأسسوها وسووها ، ثم مدوا في عرضها قطعا صلبة من الخشب غليظة بين الواحدة والأخرى ذراع أو ذراعان. ثم مدوا فوق هذه القطع على أطرافها من الجهتين سبائك من الحديد ذاهبة مع طول الطريق واحدة عن اليمين والأخرى عن الشمال ، وشدوها في قطع الخشب المذكورة بحلق من الحديد ومسامير تمسكها من أسفل كيلا تتزحزح تلك السبائك عن محل وهكذا من ابتداء الطريق إلى انتهائها. ثم فرشوا فيها رملا أو ترابا ولم يبق بارزا منها إلا السبيكتان ، ثم صنعوا بابورا صغيرا) (١) ليس على شكل بابور البحر ، إنما فيه الحركات التي تدور النواعير لا غير ، ويركبه ثلاثة من الناس يسيرونه. ثم صنعوا أكداشا مماثلة أحسن وأرفع من الأكداش التي تجرها الخيل وأكبر منها ، وجعلوا لها نواعير تجري بها في الطريق. ونواعير الأكداش على قدر ناعورتي البابور ، وقاسوا ما بين الناعورتين على عرض الطريق بحيث ينزل حرف الناعورة على السبيكة البارزة ، وجعلوا في ظاهر حاشية الناعورة تجويفا بحيث يستحكم إنزاله على السبيكة البارزة ليلا تزيغ عنها يمينا أو شمالا ، وهكذا كل نواعير الأكداش السايرة.
وربطوا هذه الأكداش بعضها ببعض بالغناجي (٢) وسلاسل الحديد الغليظة ، حتى صارت صفا واحدا يقدمها البابور المذكور والناس راكبون في هذه الأكداش ، وفي كل كدش قطعتان أو أكثر منفصلتان. وفي كل قطعة منصبتان متقابلتان يجلس عليهما الناس ، وفي جانبيه عن يمين الطريق ويسارها طاقات حسان بإغلاق الزجاج الصافي ، إن شئت فتحتها وإن شئت أغلقتها مع بقاء الضوء التام والابصار العام. وإن كانت للراكبين أثقال في كراريصهم حملوا تلك الكراريص على سرير له نواعير مماثلة لنواعير الأكداش وربطوها فيها.
فإذا أرادوا الشروع في المسير حرك الرءيس حركة البابور ، فيجعل يسير مع ما هو مربوط به سيرا لم يعهد مثله في الاسراع يكاد أن يسار الطير في الهواء ، بحيث قطعنا هذه المسافة في ساعتين ونصف. وكنا ننظر إلى جوانب الطريق فلا نرى ما فيها من
__________________
(١) ويقصد به الصفار القاطرة التي تقابلها في الفرنسية (locomotive) وتجر العربات بقوة محركاتها (المعرب).
(٢) مفردها غنج ، وهي من الإسبانية كانشو (gancho) ، ويقابلها بالفرنسية كروشي (crochet) ، وهو المحجن أو الكلاب الذي يكون على هيئة المخطاف ، وقد تكون أيضا عبارة عن عصي طويلة قصيرة ، وبها حديدة معقنة في رأسها أو مخطاف (المعرب).