لها ، لما أخرجت ما تخرجه من الثمار وغيرها بما ذكر. ولم نر عندهم شيئا من النباتات والعشب التي تكون عندنا في فصل الشتاء.
ورأينا في هذه الطريق أيضا كثيرا من الأودية والأنهار ، وكلها تسافر فيها المراكب والفلائك وبابورات النار. ومراكب الأنهار عندهم طوال ممسوحة القيعان ، إذ ليس في النهر من العمق مثل ما في البحر ، لكن ما ينقص من عمقه يزاد في طوله. وسواء في ذالك النهر الكبير والصغير ، لأنه وإن كان لا يمكن أن تسافر فيه المراكب لقصر عمقه ، فإنهم يحفرونه ويعمقونه ويعتنون بتصفية مجراه على قدر ما يمكن فيه سير المراكب. ولا يقتصرون في الأنهار على ما انشق بنفسه بل يحدثونه ويحفرونه. فإذا كان نهران متقابلان ولا اتصال لأحد بالآخر ، فإنهم يشقون بينهما نهرا آخر صغيرا ليتصلا ، حتى تصل المراكب من هذا لهذا. ولا تجد عندهم نهرا منهارا جرفه ولا ذاهبا في غير مجراه ولا غير ذالك من التفريط ، بل يعتنون بإصلاحها غاية ، وغالب حافاتها مبنية بأوثق بناء وأتقنه.
وإذا كان على حافتها طريق بنوا طرفها الموالي للنهر ، وربما جعلوا فيه أعمدة عظيمة من الحجارة ، وأجروا فوق هذه الأعمدة ممدودا عليها أعمدة طوالا من الخشب مسمرة في رؤوس أعمدة الأحجار ليلا تنهار الطريق ، وخوف أن تميل كروصة في حالة المشي فيحصرها الحاجز المذكور عن الوقوع في الجرف.
والأنهار في بلادهم كثيرة ، ومن أشهرها وأكبرها فيما مررنا عليه نهر يسمى الرون (١). ومبدؤه من ناحية مدينة اليون ، فيدخلها ويلتقي معه فيها نهر آخر يسمى لاصون (٢). ثم يخرج منها مشرقا إلى أن يخلص للبحر الصغير غربي مرسيليا ، ويتصل به في طريقه أنهار أخر. فكلما زاد اتسع مجراه وكثر ماؤه ، فيرى في بعض المواضع كأنه بحر من البحور ، تسافر فيه المراكب الكبار ذوات النار وغيرها ، ويطلق على الجميع الرون تغليبا ، وعلى شاطئه فيما بين اليون ومرسيليا بلدان كثيرة وقناطير ضخام مشيدة على أشكال مختلفة ، وبساتين وأشجار يحمل بكثرة الأمطار وينقص بنقصانها ، ولا يتأثر البنا المؤسس بطرفه ولا الأشجار من زيادته لتأسيسه أولا على الإتقان.
__________________
(١) «الرون» ، هو نهر (Rho؟ne) الذي يسير انطلاقا من مشارف مدينة ليون في اتجاه الجنوب.
(٢)(La Sao؟ne) ، هو من أهم روافد نهر الرون سابق الذكر.