هرع نحونا وحاول الوصول إلينا من كل الجهات تدفعه الرغبة في رؤية هؤلاء النصارى وهو الاسم الذي يطلقونه علينا لكوننا مسيحيين. وكما جرت العادة عند نزول الأجانب عند الحاكم بتوصية من الداي فإن اليهود يكلفون بتحضير مائدة الطعام لهم ، وكان نصيبنا في هذه الحالة الحساء والأطباق التقليدية الشائعة في البلاد ، قدمت لنا بحضور الحاكم وبعض الأشخاص الآخرين ، فقدمنا لهم في أول الأمر مسحوق التبغ (الشمة) وكؤوسا من الخمر التي لا يمانع المسلمون غير المتشددين في تناولها عندما يكونون بصحبة النصارى ، وكان زادنا من الخمر ومن بعض الهدايا مفيدا جدا لنا في رحلتنا ، فهي أفضل وسيلة لكسب ثقة السكان وهذا ما خبرناه بالتجربة ، وننصح به كل من يعتزم السفر إلى هذه البلاد.
وفي ٢٤ أبريل تسلقنا الجبل المجاور برفقة أحد الأتراك لتجنب تجمع الناس حولنا ولنكون في مأمن من رجال القبائل الذين يعيشون متفرقين في أكواخ منعزلة ، وهم من سلالة البربر أو سكان البلاد القدامى والذين بقوا لمدة طويلة يحافظون على خصوصيتهم وسط جبال شاهقة كانت لهم بمثابة ملاجئ منيعة. وقد قبلوا منذ مدة قصيرة تسديد ضريبة للبايليك من الزيت والقمح والعسل ، مع أنهم لا تنقصهم الأسلحة والذخيرة للدفاع عن أنفسهم ، ووضعهم هذا من الأسباب الأخرى التي توجب علينا الحيطة عند الذهاب للبحث عن النباتات بحيث نأخذ أسلحتنا معنا في كل جولة نقوم بها وإن كنا لم نضطر إلى استعمالها والومرة واحدة طيلة رحلتنا.
وقد لا حظت أن حمل باقة من النباتات في اليد هو بمثابة جواز مرور معروف ووسيلة ممتازة لضمان السلامة ، لأن من يذهب للبحث عن النباتات ينظر إليه هناك بأنه متطبب أو مداوي بالأعشاب ويطلقون عليه اسم الباربيرو (١) أو الحلاق وهو الاسم الذي يعرف به الطبيب الذي يحظى لديهم بكل احترام
__________________
(١) أنظر هامش رقم ١٠.