أن هناك ملكا يبلغ
به حبه للعلوم إلى حد إرسال مجموعة أشخاص للتجول في بلدان بعيدة ؛ ومع أن الرسائل
التي حملناها له تركت أثرا طيبا جدا لديه ، إلا أنها لم تبدد شكوكه في صدق نوايانا
، ومن حسن حظنا في هذا الموقف أن طبيبه الذي اطلع بواسطة الأوراق الرسمية التي
نحملها على خبر مغادرتنا مقاطعة ساكسونيا ، وعلى نيتنا في القيام بسفر إلى تونس
شرح له موضوع رحلتنا ، وعندها استقبلنا بحفاوة كبيرة وحظينا بمعاملة جيدة في قصره
، هذا القصر الذي يدل كل شيء فيه على أن صاحبه إنسان متحضر ، بل أعطى فكرة جيدة عن
مملكة تونس فيما يتعلق بنظام الحكم.
وفي الغد طلبنا من
الباي السماح لنا بزيارة بعض الآثار القديمة فلم يستجب لرغبتنا هذه بحجة أنه يخاف
علينا من أن نتعرض للخطر ، معقبا على عدم استجابته لطلبنا بأنه من العار عليه أن
يلحق بنا أي مكروه. ومع ذلك سمح لنا أن نتعرف على مدينة باجة التي كانت أسوارها
وأسس منازلها من بقايا البنايات الرومانية ؛ ومن بين النقوش التي شاهدناها نقشا
أثار اهتمامنا يحمل هذه الكتابة :
" Filio Divi Commodi Frater Imp. XII. cos III. P. P. Q. ad Nap. M.
Aurelio Antonin et auspiciis divinis".
أما كتابة النقش
المثبت بأعلى باب قصبة المدينة فهو يحمل اسم الإمبراطور كايوس جوليوس أوريليانوس (Caius Julius Aurelianus).
هذا وما كدنا
ننهمك في نقل كتابات هذه النقوش حتّى أحاط بنا جمهور غفير كانت نظراته تنم عن حقد
دفين ، ولم يلبث أن تزايدت أعداده وبدأ برمي بعض الحجارة علينا ، وعندها تراجعنا
وعدنا من حيث أتينا ، وبعد أن ودعنا الباي قضينا الليل خارج القصر في خيمة نصبت
لنا ، وذلك حتى نتمكن من السفر في ساعة مبكرة من صباح الغد.
ومع حلول النهار
استأنفنا سفرنا وكانت الحرارة شديدة جدا ، فعرجنا في