أن ينتج إلّا عن معرفة مباشرة بها فضلا عن أنه يكشف فى هذا الصدد كما هو الحال دائما عن قوة ملاحظة خارقة (١٠٣). ولا تزال مستعصية على الحل مسألة حقيقة زيارته للصين ، وكما قال مجيك Mzik فإنها لم تنضج بعد للحل (١٠٤) ويجب أن يترك الباب مفتوحا لها (١٠٥) ؛ ولا يزال إجماع الآراء أكثر ميلا إلى القول بأن ابن بطوطة لم يزر الصين. ويقرر شيفيرSchefer أن القليل من رواياته عن الصين يستأهل الاهتمام (١٠٦) ولو أنه يجب الاستدراك على هذا بأن رواياته عن الصين ليست بالقليلة العدد (١٠٧). وقد وصل فيران Ferrand وهو خير خبير فى الأدب الإسلامى عن الشرق الأقصى إلى نتيجة مؤداها أن ابن بطوطة لم يزر الهند الصينية ولا الصين بل لفق روايته عنهما دون توفيق يذكر من مصادر مختلفة (١٠٨). وكما بينا من قبل فإن ابن بطوطة لا يكشف بوجه عام عن معرفة جيدة بالأدب الجغرافى ، وإذا ما سلمنا جدلا بالفرض القائل بأن ابن بطوطة إنما اعتمد فى وصفه على القصص التى سمعها من الآخرين فثمة تفاصيل معينة تجعل من العسير علينا التسليم التام بهذا الفرض ، فمثلا من الصعب القول بأن ابن بطوطة من غير أن يزور الصين قد وجد أن هناك ما يضطره إلى القول بأنه قد التقى فيها برجل من أهل سبتة ثم يذكر اسمه بالتفصيل كما يذكر أيضا أنه قابل أخا لذلك الشخص نفسه بالسودان الغربى (١٠٩). مما لا ريب فيه أن الكلام يدور هاهنا عن شخصيات حقيقية كانت معروفة للكثيرين بمراكش عند رجوع ابن بطوطة إليها فلم يكن بوسعه إذن أن يفكر فى تعريض سمعته للثلب من أجل دافع تافه كهذا. ومنذ عهد ليس بالبعيد توصل البحاثة اليابانى ياماموتوYamamoto إلى رأى حول رحلة ابن بطوطة فى الشرق الأقصى لا يبلغ فى شدته الرأى الذى خرج به فيران. فهو يقول :
«إنه لمن العسير القول بأن جميع حكايات ابن بطوطة عن الصين هى من نسج الخيال وحده. حقا إن وصفه المفصل لتلك البلاد يشمل عددا من النقاط الغامضة ولكنه لا يخلو أحيانا من فقرات معينة تعتمد على ملاحظة مباشرة عن الصين ، فضلا عن أنه من المستحيل القول بأن رواياته التى وجدت توكيدا فى المصادر الصينية وفى أسفار ماركوبولو قد كانت من تلفيق مخيلته» (١١٠). ولاعتبارات ذات طابع عام أخضع ياماموتو رواية ابن بطوطة عن بلاد طوالسى الغامضة لتحليل دقيق ؛ ولنذكر عرضا أن رواية ابن بطوطة عنها قد جرت عليه سخرية بعض البحاثة ، فالعلامة يول Yule مثلا قال عنها فى زمنه «يجب البحث عن تلك البلاد فى صفحات الأطالس التى تحتوى الخارطات البحرية مما رسمته يد الطيب الذكر القبطان غليفر» (١١١). وعلى الرغم من هذا فإن عددا من البحاثة ممن لم يصل بهم التشكك إلى الدرجة التى بلغها عند يول قد حاولوا العثور على هذه الجزر فبحثوا عنها فى جزيرة بورنيو (١١٢) وفيما بين اليابان وشامبا الواقعة فى كوشين صين (١١٣) ، وأخيرا وضعوها فى تونكين (١١٤) ؛ وقد ساق ياماموتو حججا قوية للتدليل على أن طوالسى إنما هى شامبا (١١٥) بعينها التى كانت تقع بلا شك على الطريق بين الهند والصين (١١٦). ولعل ابن بطوطة كان ضحية القصص الخرافية التى رواها له المترجمون المحليون (١١٧) عن