لجميع المشتغلين بالدراسات العربية ، ولم يأت بجديد إعادة طبع المتن بالقاهرة فى عام ١٣٢٣ ه ـ ١٣٢٤ ه ١٩٠٦ (١٢) ، رغما من أن الناشر كانت لديه فكرة عالية عن مجهوده بالنسبة لطبعة فستنفلد (١٣) الذى لم يفعل شيئا فى الواقع سوى أن أعادها بحذافيرها. ويمكن بالطبع أن تقابلنا أحيانا فى هذه الطبعة الثانية قراءات أفضل ، ولكن هذا يحدث من قبيل الصدفة البحتة (١٤) ، وأطرف من ذلك أن طبعة القاهرة هذه قد أضيف إليها جزآن بعنوان «منجم العمران فى المستدرك على معجم البلدان» (١٥) يستدرك فيهما الناشر ، وهو أمين الخانجى المعروف ، على مادة معجم البلدان. وقد تمس هذه الاستدراكات أحيانا نقاطا عالجها ياقوت فيورد الناشر المعلومات المتأخرة فى ذلك ، ولكنه فى أغلب الأحيان يقصر كلامه على بلاد ومدن العالم الحديث بأوروبا وأمريكا واستراليا. وهذه الإضافة وإن لم تمثل قيمة ما من وجهة النظر العلمية إلا أنها برهان طريف على استمرار الأنماط القديمة للمعاجم الجغرافية التقليدية بين الأوساط العربية المثقفة إلى بداية القرن العشرين (١).
وقد كان مجهود فستنفلد بمثابة حجر الزاوية فى دراسة شخصية ياقوت نفسه ودراسة المادة التى تحتويها دفتا مصنفه. ولعله لم يتمتع جغرافى عربى بعدد من الدراسات مثل الذى أفرد لياقوت ، بل إن الناشر نفسه قد حاول فى مقالات منفردة إلقاء ضوء على سيرة حياته وعلى الأخص رحلاته. وبمرور الزمن ظهرت دراسات عن مصادره ـ وبالذات عن المادة التاريخية الجغرافية التى اشتمل عليها كتابه من ناحية عامة (١٦) ، وكذلك فيما يختص بالمؤلفين الذين نقل عنهم (١٧). ونتيجة لظهور طبعة كاملة للمعجم فقد أضحى فى حيز الإمكان تكوين فكرة صحيحة عن عدد كبير من المؤلفات التى رجع إليها والتى لم تصبح فى متناول الأيدى إلا بعد ذلك بوقت طويل ؛ ويصدق هذا بالذات على مصنفات ابن الكلبى وابن فضلان وأبى دلف وابن بطلان وعدد آخر من المؤلفين ، فلا غرو أن نلتقى باسم ياقوت فى كتابنا هذا أكثر من اسم أى جغرافى آخر كمصدر عن المؤلفين السابقين. هذا وقد أخضعت المادة الجغرافية التى جمعها ياقوت لدراسات مختلفة بحسب كل قطر أو عصر ؛ فمعروفة لنا محاولة باربييه دى مينار فى جمع وتنسيق مادته عن إيران ؛ كما توجد دراسة عن انعكاس صدى الحروب الصليبية فى المعجم ؛ بل ويوجد فهرس منظم خاص بالموضوعات الأدبية والشعبية (الفولكوريةFolkore) والاثنوغرافية التى يعالجها ياقوت مع سرد أسماء المراجع التى يستقى منها. وفى عام ١٨٩٠ حلل مدنيكوف Mednikov المعجم تحليلا عاما فى محاضرة له لم تطبع بالتالى (١٨) ، كما بين طريقة تناول ياقوت لمصادره وكيف كان منهجه فى نقد النصوص ؛ كذلك لا تزال تحتفظ ببعض أهميتها إلى أيامنا هذه آراء روزن حول هذا الموضوع. من كل هذا يتضح لنا أن المجال قد هيئ لدراسة وافية عن ياقوت ، وأنه يستحق فعلا مثل هذه الدراسة. وبالنسبة لموضوعنا فإن سيرة حياة ياقوت ليست بأقل أهمية من مصنفه ، وهى برهان آخر على سعة الأفق والعبقرية التى تميزت بها الشخصيات العلمية التى شادت بمصنفاتها الصرح الهائل للحضارة العربية.
__________________
(*) ظهرت أخيرا ببيروت طبعة ثالثة للمعجم ؛ وهى أيضا بدورها لم تأت بجديد. (المترجم)