فى كتابه (٥٩). ولا ريب كذلك فى التأثير البالغ للمدرسة اللغوية عليه وأيضا المجموعات العديدة من صنوف العجائب Mirabilia ؛ وأخيرا نصل إلى أدب الحديث الذى وجد مكانه فى الفصل الأخير المتعلق بالأخرويات. من كل هذا يتبين لنا أن مضمون الكتاب متنوع جدا وأن المؤلف يفتقر افتقارا تاما إلى الأصالة.
فإذا ما انتقلنا من هذا إلى المادة التى يوردها فى مجال الجغرافيا الوصفية لألفيناها شحيحة فى الواقع ؛ وقد أثبت هذا فيران Ferrand عند فحصه للفقرات المتعلقة بالهند وأرخبيل الملايو (٦٠). ومن الملاحظ أن ياقوت (٦١) يعترف بأنه أخذ عن طاهر المقدسى الرواية التى يذكر فيها أن الروس يقيمون بجريرة موبوءة تحيط بها بحيرة (٦٢) ؛ وهذه الرواية معروفة بدورها لكل من ابن رسته وكرديزى وقد اجتذبت إليها أنظار الباحثين أكثر من مرة (٦٣). ولا يخلو من طرافة نزوع المقدسى فى الفصل الجغرافى (٦٤) من كتابه وأيضا فى الفصول الأخرى إلى النصح والإرشاد على حساب المادة التى يسوقها (٦٥). لهذا ، وأيضا بالإضافة إلى القسم الرياضى من الفصل الجغرافى ، فإن «كتاب البدء والتاريخ» ينضم إلى «رسائل إخوان الصفاء» التى ظهرت فى نفس ذلك الوقت تقريبا والتى تعرض فى الفصل المشابه لهذا نفس الآراء البطلميوسية التى ثبتت فى القرن التاسع (٦٦).
ولعل هذا الاتفاق ليس وليد الصدفة المحضة فقد وردت لدى بعض مؤلفى هذه المجموعة ، الذين نادرا ما يشيرون إلى مصادرهم ، الإشارة إلى شخص يدعى المقدسى البستى. حقا إن الأسماء الأولى تختلف ؛ كما وأن النسبة الثانية ترد أحيانا فى صيغة أخرى ، ولكن رغما عن هذا فإن التقارب فى النسبة يثير بعض التساؤل خاصة على ضوء الشبه بين القسمين الجغرافيين الذى أشرنا إليه. أما مجموعة إخوان الصفاء نفسها فهى تمثل أهمية كبرى ليس فيما يتعلق بالقسم الجغرافى بقدر ما يتعلق بالدور الذى احتلته الجماعة كظاهرة ثقافية كبرى لمنتصف القرن العاشر.
ففى هذا العصر الذى لحقت فيه عوامل الضعف والوهن بمذهب أهل السنة الذى ازدهر مدة قرن من الزمان عقب خلافة المتوكل ثم ضعفت شوكته نتيجة لارتفاع نجم البويهيين المعروفين بميولهم الشيعية ، أقول فى هذا العصر كان يجتمع بالبصرة جماعة من المفكرين فى محيط الدين والفلسفة اتخذوا لنفسهم اسم «إخوان الصفاء وخلان الوفاء» (٦٧) ، إشارة إلى إحدى حكايات «كليلة ودمنة» (٦٨). ومن العسير معرفة ما إذا اتخذت هذه الجماعة شكلا معينا أو أن نفوذها قد امتد إلى بغداد ، ولكن وضح فى الأعوام العشرة الأخيرة بما لا يدع مجالا للشك أنها كانت قريبة من دوائر الإسماعيلية وتنتصر لمذهبهم. ويجب ألا يعزب عن البال أنه إلى هذا العصر بالذات يرجع تمكين سلطان الفاطميين بمصر ونشاط الدعوة الإسماعيلية بخراسان (٦٩).