ممقوتة فى عصره ، فمثلا يشير فى خاتمة تعداده للجغرافيين إلى كتاب «النواحى والآفاق» الذى يروى «الأخبار عن البلدان وكثير من عجائب ما فى البر والبحر». ومؤلفه هو محمد (١٨) بن أحمد بن النجم الذى اشتهر باسم ابن أبى عون الكاتب (١٩) وهو أحد أتباع الزنديق المعروف الشلمغانى وقد أعدما سويا فى عام ٣٢٢ ه ـ ٩٣٤ (٢٠) ؛ ولعل هذه الظروف هى التى دفعت مؤلف كتاب «الفهرست» ، على نحو ما فعل بعض معاصريه من المؤرخين ، إلى أن يصفه بأنه «ناقص العقل» (٢١) ؛ وكان كتابه معروفا لياقوت فى القرن الثالث عشر (٢٢). ويختتم المسعودى كلامه عن السابقين له باستطراد طريف يتحدث فيه عن أهمية المؤلفات القديمة والحديثة (٢٣) ؛ وتنعكس فيه بمهارة الخصومات الأدبية التى كانت تهز مختلف الدوائر الاجتماعية فى ذلك العصر. قال :
«فكل استفرغ وسعه وبذل مجهوده وقد يدرك الواحد منهم ما لا يدركه الآخر وقد ذكرنا فى كتابنا هذا وما سلف قبله من كتبنا التى هذا سابعها أخبار العالم وعجائبه ولم نخله من دلائل تعضدها وبراهين توتدها عقلا وخبرا وغير ذلك مما استفاض واشتهر وشاهد من الشعر على حسب الشىء المذكور وحاجته إلى ذلك ونحن وإن كان عصرنا متأخرا عن عصر من كان قبلنا من المؤلفين وأيامنا بعيدة عن أيامهم فلنرجو أن لا نقصر عنهم فى تصنيف نقصده وغرض نأمّه وإن كان لهم سبق الابتداء فلنا فضيلة الاقتداء وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر وربما كان الآخر أحسن تأليفا وأتقن تصنيفا لحنكة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من مواقع الخطأ ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية لوجود الآخر ما لا يجده الأول وذلك إلى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال وفوق كل ذى علم عليم (٢٤). على أن من شييم كثير من الناس الإطراء للمتقدمين وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضى وذم الباقى وإن كان فى كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة وقد ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أنه كان يؤلف الكتاب الكثير المعانى الحسن النظم فينسبه إلى نفسه فلا يرى الأسماع تصغى إليه ولا الإرادات تبسّم نحوه ثم يؤلف ما هو أنقص منه مرتبة وأقل فائدة ثم ينحله عبد الله بن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدمين ومن قد طارت أسماؤهم من المصنفين فيقبلون على كتبها ويسارعون إلى نسخها لا لشىء إلا نسبتها إلى المتقدمين ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو فى عصرهم ومنافسته على المناقب التى يخص بها ويعنى بتشييدها وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس وإنما العمل على ذوى النظر والتأمل الذين أعطوا كل شىء حقّه من العدل ووفوه قسطه من الحق فلم يرفعوا المتقدم إذ كان ناقصا ولم ينقصوا المتأخر إذ كان زائدا فلمثل هؤلاء تصنّف الكتب وتدوّن العلوم».
أما ذوق المسعودى الأدبى فيتضح بجلاء من حكمه على الجاحظ فى كتابه «مروج الذهب» قال (٢٥) :
«وقد كان أبو الحسن المدائنى كثير الكتب إلا أن أبا الحسن المدائنى كان يؤدى ما شمع وكتب الجاحظ مع انحرافه المشهور تجلو صداء الأذهان وتكشف واضح البرهان لأنه نظمها أحسن نظم ووصفها أحسن