الماضي ، كان ابتداؤه ثاني يوم النحر أي : كثر جدا بحيث كان يموت في اليوم نحو الألف ، ثم انتقل إلى مصر عند وصول الحجاج ، وكذا إسلامبول وبلاد الترك وبلاد النصارى ، فأجمع الحكماء أن هذا من كثرة العفونة بمنى ومكة ، فبسبب ذلك يتغير الهواء فيحصل تغير في الأمزجة ، ويحصل الوباء ويموت الخلق ويسري إلينا معتقدين أنه يعدي.
قال ابن حجر في شرح البخاري : والذي أوجب الأطباء أنهم يقولوا ما قالوه ـ أي : أنه من فساد الهواء ـ أن معرفة كونه من وخز الجن إنما يدرك بالتوقيف وليس للعقل فيه مجال ، ولما لم يكن عندهم في ذلك توقيف رأوا أن أقرب ما يقال فيه أنه من فساد الهواء ، ولما ورد الشرع أبطل ما توهّم العقل. انتهى (١).
واتفق أهل الشرع أنه كان عذابا يرسله الله على من يشاء من عباده لينتهوا عن الفجور.
وفي البخاري (٢) : كان عذابا يبعثه الله على من يشاء ، فجعله رحمة للمؤمنين. وكونه رحمة للمؤمنين باعتبار الآخرة ، ولذا عد من مات به من الشهداء.
وروى مسلم وأحمد (٣) : أنه رجز ، وبقية من عذاب عذب به قوم قبلكم. وقد بقي في الأرض منه شيء يجيء أحيانا ويذهب أحيانا ، وأن موجبه من الأصل نشوء المعاصي والفجور بين العباد ، كالظلم والزنا والتطفيف ونحو ذلك.
__________________
(١) فتح الباري (١٠ / ١٨١).
(٢) البخاري (٥ / ٢١٦٥).
(٣) أخرجه مسلم (٤ / ١٧٣٩) ، وأحمد (١ / ١٨٢ ، ٥ / ٢١٣).