يوم في حريق الحرب كما حان حينها منذ الهجرة ، ويوم في حريق النار يوم القرار ولا فرار!
(وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) : يونس صاحب السجن الحي السابح في اليم ، (إِذْ نادى) ربه فيه (وَهُوَ مَكْظُومٌ) : مكظوم الغضب عن قومه لما عرف خطأه في التعجيل ، وتركه واجب التأجيل (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : أن كظم غيظه وغضبه ، ووفقه للتوبة والتسبيح (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) ولكنه سبح ربه وتاب فنبذ بالعراء وهو ممدوح ، فلقد كان بانتظاره عذاب دائب يوم الدنيا : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) دون نبذ بالعراء مذموما أو ممدوحا ، لو انه ترك كل الواجب قديما وفي السجن ، ولكنه كان من المسبحين هنا وهناك ، ولقد نجاه تسبيحه أن نبذ بالعراء ، وكان يبقى عليه الذم لو لم يكمل التسبيح بما أنعم عليه ربه من الاعتراف بالظلم ، ومن التوبة النصوح ، وكظم الغيظ ، فنبذ بالعراء ممدوحا (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) : لتكميل الرسالة : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٣٧ : ١٤٨).
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) :
الإزلاق هو إزلال القدم حتى لا يستقر على الأرض ، والإزلاق بالبصر كناية عن غاية المقت والإبغاض عند النزاع والخصام ، كأن هؤلاء الكفار ـ وعند سماع الذكر الذي لزامه التذكير ـ كأنهم من كثرة بغضهم يكادون ليستفزوه من الأرض بأبصارهم الحاقدة ، وليمسوا من كرامته بألسنتهم الناقدة : (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) رغم أن كيانه ذكر للعالمين (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) وهل يعقل انه بنعمة ربه مجنون ، وهم بنقمته عقلاء ، فما لهم كيف يحكمون؟
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ٦)