ف (كَفُوراً) : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٣٤ : ١٧) مما يدل على أنه كل كافر ، إذ يحصر الجزاء العقاب بالكفور ، وكما الكفور أيضا دركات حسب دركات الكفران ، وهنا ينقسم الى كافر وكفور.
ومن ثم تعني أن الشاكر أعم من الشكور ، ولذلك لم تقابل الكفور بالشكور ، فمن الشاكر شكور وقليل ما هم ، ومنهم غير شكور وما أكثرهم ، كأنما الإنسان بطبعه كفور : (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (٤٢ : ٤٨) وليس بطبعه شكورا (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٣٤ : ١٣).
(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) :
والكافر هنا أعم من الكفور ، كما كان الشاكر هناك أعم من الشكور ، والإعتاد هو إعداد الشيء حتى يكون عتيدا حاضرا ، فقد هيأ الله تعالى لأخرى الكافرين ما قدموه في دنياهم : سلاسل : قيودا لأقدامهم ، وأغلالا : لأيديهم تشدها الى رقابهم وتجعل الأعضاء وسطها ، وسعيرا : نارا متسعرة يلقون فيها مسلسلين مغلولين ، عذابا فوق العذاب! ولقد ظلوا يوم الدنيا مسلوكين في سلاسل الهوى ، ينقادون ما قادهم الشيطان ، ومغلولين في أغلال الشهوات في سعير حياتهم الجهنمية كل الحياة ، فالإعتاد الإلهي لهذا العذاب حسب ما أعتدوا واعتدوا وبغوا ، جزاء وفاقا ، وهذه الآية كأمثالها من آيات الإعتاد توحي بخلق الجحيم بأصولها ، وإنما تترقب حطبها لكي تسعر أكثر فأكثر. هذا هو جزاء الكفور ، فما هو جزاء الشكور؟ :
(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً. عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) :
الأبرار هنا تعم المقربين ـ وأحرى ـ طالما الآيات تنتهي بسيرة أقرب
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ٢٠)