وأوفق الوجوه في «كفاتا» أدبيا ومعنويا : أنها مصدر ، مفعولا ثانيا ل «نجعل» فقد كانت أرضا ولم تكن كفاتا ، لا أموات فيها ولا أحياء ، فلا تقبّض لها لا للأحياء ولا للأموات ، إذ كانت مجنونة الحراك محترقة ، لا تحنّ لعائش : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) (٦٧ : ١٥)(١) فذلت بعد شماس ، واعتدلت بعد ارتكاس.
كذلك الله جعلها كفاتا : سريعة الطيران في جو السماء ، شديدة التقبض حالته : أحياء وأمواتا ، طائرة متقبضة كأنها الطيران نفسه ، والتقبض نفسه ، كما يوحي به المصدر «كفاتا» نفسه.
وما أهمهما من أصلين أصيلين في كيان الأرض ، طالما غفل عنهما ساكنوها عبر قرون خلت قبل القرآن ، وقرون بعده ، بين مستند الى الحسّ ، فمؤوّل لآيات حركات الأرض ، وساكت عنها شاكّ فيها حتى فسرها العلم ، فليس العلماء بعد القرآن هم الكاشفين عن حركاتها ، ولا ان (كبرنيك ونيوتون) هما اللذان أبديا نظرية القوة الجاذبية ، رغم ما يزعمه الزاعمون (٢). وإن للقرآن آيات متشابهات تفسرها الزمن.
__________________
ـ في الطيران ، والكفتان من العدو والطيران كالحيوان في شده ، ويقال : كفت الطائر إذا طار وتقبض فيه ، والكفت في عدو ذي الحافر سرعة قبض اليد.
وفيه عن الصحاح : الكفت السوق الشديد ، ورجل كفت وكفيت سريع دقيق ، وفرس كفيت وقنيص وعدو كفيت أي : سريع ، وكذلك في اللسان وغيره.
(١) راجع سورة الملك الجزء ٢٩ في تفسير آية الذلول.
(٢) مضت قرون والبشر تزعم الأرض جامدة على قرني الثور أو الحوت أم ماذا؟ وأول من تجرء على خلاف هذا المحسوس! (فيثاغورث الحكيم ٥ ق م) ثم تبعه (فلوترجوس وأرشميدس) ثم أيدها بعد قرنين (ارسترجوس) وأبدى نظرية حركة الأرض حول الشمس ، ولذلك كفروه ، وبعد نصف قرن أوضح (كليانتوس) ان الأرض محكومة بحركتين ـ