وكما أن للإنسان قرارا مكينا ركينا في الأرحام ، لا تنافيه تقلّبات الأمهات في مختلف الحركات ، كذلك الله جعل له الأرض كفاتا : قرارا مكينا ، رغم حركاتها الدائبة المتداخلة ، تضم ما عليها في حضنها أحياء وأمواتا :
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَأَمْواتاً ، وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) :
هذا الاستفهام التقريري في مقام تعداد النعم السابقة يوحي بأن كفات الأرض نعمة غالية فيها ، تشابه قرار الرحم المكين ، لولاه لم تمكن أو لم تسع للإنسان حياة ، كما أن لقرار الرحم دوره الهامّ في بداية المطاف ، وهذه هي الحقيقة التي تساعدها اللغة والواقع ، مهما تغافلت عنها قرون خلت ، فتخيلت أن الأرض جامدة على قرني الثور أو ظهر الحوت(١)!
الأرض الكفات :
إن آية الكفات هذه تظهر الأرض بمظهر الطير المسرعة في طيرانها ، المتقبضة جناحيها ، حيث الكفات هي الإسراع في العدو والطيران مع تقبض فيه (٢).
__________________
(١) انها ليست على ظهر الحوت أو على قرني الثور ، وإنما هي كسائر الكواكب تسبح في جو السماء ، وحديث الثور مقطوع في أوله ، يعني غير ما عنوه ، فقد سأل احد الزارعين الامام الصادق (ع) ان لي ثورين أزرع بهما الأرض ، وانا كبير أريد ان أبيعهما فأعيش في عزلة العبادة بثمنهما؟ قال (ع): «لا تفعل فان الأرض على قرني الثور» يعني زراعة الأرض في تلك الزمن ، كما في زمننا على قرني التراكتور.
(٢) كما في لسان العرب وتاج العروس وغريب القرآن وأمثالها ، ففي التاج عن الزهري : «كفت الطائر وغيره يكفت كفتا وكفاتا ككتاب وكفيتا كأمير وكفتاتا» : اسرع ـ