(فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) : قرار الرحم وما أمكنه من قرار الحياة الجنينية ، وقرار الأرض التي من طبعها الفرار : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) (٤٠ : ٦٤) قرارا بكيانها وقرارا بحركاتها التي تفلتها من مداراتها لولا أن جعلها الله كفاتا أحياء وأمواتا.
(إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) : دون فوضى حتى في قدر القرارين : في الرحم وفي الأرض.
(فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) : قدرنا لا فقط قدرناه أو قدرنا عليه أو قدرنا به وإنما قدرناه وعليه وبه والكل مقصود :
قدرناه : هيّأناه للتكامل الجنيني ، أن قسمناه : الماء المهين ، فأخذنا منه سلالة هي النطفة الجرثومية (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) واستخدمنا الباقي لتكملتها ، فهذه النطفة الأمشاج تسير سيرا زهوا بطيئا في البوق ، ولا تنتهي منه الى الرحم إلا بعد ثمانية أو عشرة أيام ، تقوم خلالها بتقسيم نفسها تقسيما بعد تقسيم ، لكي تهيء كل قسم وتعدّه للدور الذي سيقوم به في تكوين الجنين الجديد ، أو حفظه وحمايته ، أو في تغذيته ، فتصل البيضة النطفة الى بيت الزوجية المهيأ لها ، فتلتصق بجداره ، وتبدء خلايا الأقسام عملها العظيم بالتعاون مع بعضها أو مع خلايا جدار الرحم ، فتجعل حول الجنين غلافا فوق غلاف فوق غلاف : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) :
وقدرنا عليه : قوينا عليه وتمكنا أن نخلقه ما نشاء كما نشاء ، وضيقناه في مضيق الرحم حفاظا عليه من كل صدام ، وفي مضيق من الحياة الدنيا.
وقدرنا به : قسنا به سائر الخلق فجعلناه في أحسن تقويم (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ودبرناه فصورناه : (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) فيما قدرنا «ه» و «به» و «عليه».