ثم يميتكم ، أنه سوف يحييكم لكي تحصدون بعد ما تحصدون؟ ولتجزى كل نفس بما تسعى.
(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ).
(الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) يختص هنا بالذكر بين سائر الماء ، لأنه أصل الحياة المباشرة للإنسان ، ثم بواسطة النبات والحيوان حياة ثانوية مكملة لها.
فهل أنتم الشاربون أنزلتموه من المزن : السحاب المثقل بالماء ، أم الله؟ فمن هذا الذي يزجي سحابا من أبخرة المياه فيبسطه في السماء ، ويسقي به من يشاء؟ ومن الذي خلق عنصر الماء من قبل وحوله إلى مختلف الحالات ، وجعله أصل الحياة؟ أنتم أم الله؟ (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ)؟.
(لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) : بدل العذب الفرات : مالحا مرا حارا بأشده لاهبا ملتهبا كالنار ، حاملا لعنة الموت لا رحمة الحياة ، يؤج بكم إلى عجيج الصرخات (١) ، ولكنه جعله لكم عذبا فراتا سائغا شرابه ، مهما جعل من دونه ملحا أجاجا لغير الشرب من مصالح الحياة (أَفَلا يَشْكُرُونَ؟).
وكما أن هذا الماء يحمل الحياة ، بضمة ـ وهو ميت ـ إلى أجزاء ميتات ، فلو لا تصدقون أن الله يرسل هذا الماء إلى رميمكم ورفاتكم فيرجعكم إلى الحياة؟. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) : عقليا أن تصدقوه في نبإ المعاد ، وعمليا أن تقدموا خيرا لأنفسكم ليوم المعاد؟
(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ. نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ).
علّ ذكر المني والماء والنار يوحي بأن النشأة الاخرى سوف تكون في
__________________
(١) هذه كلها معاني الأجاج كما في لسان العرب لابن المنظور الافريقي.