والضيم فيما فعل بالذين كفروا من أهل الكتاب ، دمار وبوار لبني النضير عديم النظير ، وليعلموا أنهم هم الأذلون بما حادّوا الله ورسوله ، والمؤمنون هم الأعزون بما ارتبطوا بحد الله.
تقول الروايات : كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود : بني النضير وقريضة وقينقاع ، وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عهد ومدة ، فنقضوا عهدهم شر نقض وأخطره ، والسبب هم بنو النضير (١) فلم ير رسول الله بدا إلا حربهم وإخراجهم لمّا غدروا وخانوا خيانة مخيفة على كيان الإسلام : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٨ : ٥٩).
وإنهم وعدوه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يخرجوا دون حرب ، ثم تحالفوا مع المنافقين نقضا ثانيا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ
__________________
(١) كانت واقعة بني النضير أوائل الرابعة من الهجرة بعد أحد وقبل الأحزاب ، يذهب الرسول (ص) مع عشرة من كبار أصحابه إلى بني النضير طالبا منهم المشاركة في أداء دية قتيلين ، وفق ما كان بينه وبينهم أو مقدمه على المدينة ، وأن لا يكونوا له ولا عليه ، فاستقبلوه بالبشر والترحاب ووعدوه بأداء ما عليهم ، بينما كانوا يدبرون أمر اغتيال الرسول (ص) ومن معه ، ينتدب عمرو بن جحاش بن كعب ليلقي عليه صخرة ، فيلهم الرسول بغدرهم فيقوم كأنما يقضي أمرا ثم علموا انه دخل المدينة ، فأمر الرسول (ص) بالتهيؤ لحربهم ، إضافة إلى ما كان من كعب ابن الأشرف من هجاء الرسول وتأليب الأعداء عليه ، وانه اتصل مع رهط من بني النضير بكفار قريش اتصال تحالف وتآمر ضد الرسول (ص) فلما نبذوا عهدهم هكذا نبذ إليهم الرسول على سواء كما قال الله ، فتجهز (ص) وحاصر محلتهم وأمهلهم ثلاثة أيام أو تزيد ليجلوا عن المدينة على أن يأخذوا أموالهم ويقيموا وكلاء عنهم على الباقية ، ولكن المنافقين أرسلوا إليهم يحرضونهم على الرفض والمقاومة كما قال الله تعالى : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا» فتحصن اليهود في الحصون فأمر الرسول (ص) بقطع نخيلهم والتحريق فيها فنادوه ان يا محمد! قد كنت تنهي عن الفساد فما بالك تفسد هكذا فأجابهم الله «فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ» لا للفساد ، إنما لدفع الفساد ، ولما بلغ الحصار ست وعشرين ليلة يئس اليهود من صدق وعد إخوانهم المنافقين وقذف الله في قلوبهم الرعب فكان كما قال الله في هذه السورة.