فكذلك حين العود إذ تصطفى من طينه سلالة ، ومنها سلالة أخرى ، تتخلص في الاولى عن الأجزاء الملتحقة بها طول الحياة ، وفي الثانية عن ثقل البدن الدنيوي لحدّ يصلح للخلود في دار الخلود ، بريئا عن المرض والموت وسائر العوارض الطارئة عليه يوم الدنيا ، وحيث ان (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٣١ : ٢٨) يكمل المطلوب في العود كما البدء : ان البدن المعاد في المعاد سلالة من سلالة من طين الإنسان ، يخلق من الطينة التي خلق منها أول مرة.
وكما الإنسان الأول خلق من صلصال من حماء مسنون وطين لازب كالفخار ، وكل ذلك دون تحول التراب منيا ثم جنينا ، ودون مكوث الرحم طيلة شهور ، فكذلك إعادته خلقا ثانيا في المعاد ، فيصير طينه حماء صلصالا : طين أسود نتن صلب ، فيبرئه الله ويصوره كصورته الاولى كالفخار ، قضية مماثلة العود للبدء ، فتتم الإعادة كما بدء : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (١).
وهل الأمثال المبدل إليها من المثل أو المثل؟ قد تؤيد المثل آيته :
(.. قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) وكما يجب أن يكون البدن المعاد مثل الأول وإن في الأصل ، ولكنه مثل مثل : فلو كان مثله فقط وجب حمله ما كان يحمله دون زيادة ولا نقصان ، ولو كان مثله فقط جاز أن يدلّ عليه بمشابهة وليس منه في شيء ، وليس هذا إعادة وتبديلا عادلا ، وإنما البدل العادل هو المثل المثل : مثل يدل عليه علامة له وآية ، ومثل أنه يحمل منه الأصل مادة والصورة كما يحق ، فالأمثال المبدل إليها تجمع المثل والمثل ، ويا له جمعا ما أحسنه وأعدله.
وأحرى الأمثال يوم المعاد أمثال السيرة والأخلاق ، التي تتحول صورة ، وأمثال الأعمال والأقوال التي تبقي في أعضاءها وأجواءها ، ومن ثم تشهد معها لها أو عليها.
__________________
(١) راجع (عقائدنا) بحث مقارنات المعاد ص ٢٧١ ـ ٢٧٨.