وقد نذرت أمها ما في بطنها محررا : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ... وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ..) (٣ : ٣٧) : تقبّلها ربها مريم كما سميت وهي : الغالبة ، وتقبّل إعاذتها وذرّيتها من الشيطان الرجيم ، فهي إذا غالبة معوّذة من الشيطان عند الله ، ونابتة نباتا حسنا عند الله ، ومن غلبتها التغلب على النوازع الجنسية وجواذبها وهي في عنفوانها ، وهي بمعرض مختلف الرجال في بيت الله ليل نهار ، فهذا الإحصان مما يتطلب إحسانا عاليا لها من الله المنّان ومن أحسنه أن نفخ في محل الإحصان روحا منه ، فقد جمع الى الدافعين الأولين لذكر الإحصان هذا الثالث فاكتمل لها مثلث الإحصان فاختصت بكامل الإحسان أن أصبحت أم السيد المسيح (ع) ، ثم وعلى حدّ المروي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم سوف تكون من أزواجه صلّى الله عليه وآله وسلّم في الجنة (١).
ثم وماذا حملت؟ فطالما الآية الاخرى (.. فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) أجملت عن مدخل الحمل ، فآيتنا (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) تصريحة ان مدخله الفرج لمكان ذكورة الضمير «ه» فالمرجع إذا «فرجها» لا هي نفسها ، ولا جيبها ، رغم ما حاوله جمع ، فانه كلام فارغ ، لأنها أحصنت فرجها ، لا جيبها ، والروح نفخت في فرجها ، لا فرج جيبها!
فمن كون الآلة التناسلية النسائية هي المنفخ المدخل هنا لروح من الله نتعرف الى كيان هذه الروح وهذا اللقاح ، أن ناب لقاح الرجل دون رجل ، فلم يكن
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٤٩ ـ أخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال قال رسول الله (ص) : إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى.
أقول : وهذا لا ينافي بقاء بعض أزواجه مثل خديجة في زواجه (ص) إذ لا تحتاج الى زواج جديد.