معنى وبصيرة ، ولا يتذوقونه واقعا ... وإلى هنا «لا» نافية تنفي واقع المسّ هكذا في مختلف المس ، كل على حسبه.
ومن ثم تكون «لا» ناهية تنحو نحو النهي عن مسّه ، خطه ورسمه ، إلا المطهرون عن الكفر ، فلا يمسه كافر ، اللهم من يحاول التطهر به ، لا مسّه أو المس منه ، وإلا المطهرون عن أحداث وأخباث «فلا يمس القرآن إلا طاهر» (١).
ولا غريب من القرآن أن يجمع بين النفي والنهي في حرف واحد ، أو انها نافية تعني في موارد النهي مبالغة النهي (٢).
فالطهارة المشروطة في حلية مس القرآن خطا ، تعمّ الطهارة عن الكفر وطهارة الحدثين ، وضوءا وغسلا ، والطهارة عن أية نجاسة في المحل الماسّ ، دون اختصاص بالحدثية ، خلافا لبعض الفقهاء ، وفاقا لإطلاق المس والطهارة. تأمّل.
ف (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) مسّ النور والخير ، ولا مسّ السوء والشر ، فالمطهرون داخلون في مسّه ، وغيرهم خارجون عن مسّه وعن المسّ من كرامته (٣).
كيف وهو مكنون بكنان الله أينما كان!.
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) .. إنه كتعليل لعدم مسّه إلا من المطهرين ، فما
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٦٢ ـ أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص) : ... وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل مثله وعن ابن حزم الأنصاري عن أبيه عن جده عنه (ص) مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود وابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال في كتاب النبي (ص) لعمرو بن حزم : «ولا تمس القرآن إلا على طهور».
وفي الاستبصار بإسناده عن أبي الحسن (ع) قال : المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه ، إن الله تعالى يقول : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
(٢) والإتيان بالخبر وقصد الإنشاء عادة جارية فيما يراد تأكيد الإنشاء ، فلا يخبر بالنفي هنا فيما ينهى ، يعني انه من المنع لدرجة كأنه لا يقع أصلا.
(٣) الاستثناء على الأول متصل إذ يمسونه ، وعلى الثاني منفصل إذ لا يمسونه.