وهل يقسم بنجوم القرآن لإثبات كرم القرآن؟ قد يجوز وهو أحرى! فإنه من برهنة الشيء على نفسه ، فكما الشمس تدل على نفسها ، وهي أحرى شاهد لها ، كذلك نجوم القرآن بمواقعها ، القلوب الواقعة هي فيها ، الواعية لها ، انها تدل على (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ).
(فَلا أُقْسِمُ) هنا ، لا قسم ضمّن فيها القسم (١) لا بمواقع النجوم كلها ، وإنما بنجوم القرآن ، (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) : عظيم في دلالته ، عظيم في جلالته ، عظيم في معناه ، عظيم في هداه.
إنه تصريح باللاقسم وتلويح بالقسم بمواقع نجوم القرآن ، وما أحلاه تعبيرا ، عن لماعة نجوم القرآن وبلاغتها ، وكما يروى عن أفضل مواقعها : الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم : «.. له نجوم وعلى نجومه نجوم .. فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل المعرفة لمن عرف الصفة ، فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، ينج من عطب ، ويتخلص من نشب ، فإن التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ..» (٢).
فمهما كان القسم بسائر النجوم عظيما ، لأنها دلالات ظاهرة ، وشهادات على عظمة القدرة ، وسعة الحكمة لمن يوقعها في مواقعها ، فيهتدي بها راصدوها ، ويندحر مسترقو السمع للملأ الأعلى ، وهي إضافة الى ذلك ظاهرة في أنفسها في طلوعها وغروبها وانفضاضها وانقضاضها ، ولكنما حق العظمة وعظمة الحق في الدلالة على كرم القرآن ، ليس إلا في نجوم القرآن ، وقليل هؤلاء الذين يعلمون ، وكثيرون يجهلون ، أن القرآن نور ينير لنفسه ، فلا يستنير بسواه ، وحتى الرسول لرسالته لا يستدل بسواه ، فهو نور لمن أرسل به ، ونور لمن أرسل اليه ،
__________________
(١) راجع ص ١٥٩ ج ٣٠ ـ الفرقان وكذلك الآيات ٦٩ : ٣٨ ـ ٤٣ و ٩٠ : ١ و ٨٤ : ١٦ و ٧٥ : ١ ـ ٣ و ٧٠ : ٤٠ ـ ٤١ ـ فانها آيات سبع تحدثنا عن اللاقسم فيها.
(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٦٠٠ ـ الطبعة لجديدة عنه (ص) ...